لا ندري على وجه التحديد ما إذا كان لجثة الخنزير فائدة في تسميد النخيل أو الأشجار عمومًا، ولكن هكذا ورد السؤال.
والجواب عنه: أن الخنزير محرم بأصل الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقول الله -تعالى-:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ}([1])، وقوله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}([2])، وقوله جل ثناؤه: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}([3])، وقوله-عز من قائل-: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}([4]).
وأما السنة: فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -ﷺ- قال: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن
مريم حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية.. الحديث»([5])، وروى جابر بن عبد الله: “أن رسول الله -ﷺ- حرم بيع الخنزير”([6]).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على تحريم لحم الخنزير مع بعض الأقوال حول شحمه، ومدى نجاسته، ومدى الاستفادة من شعره:
فالإمام أبو حنيفة: يرى أنه نجس العين؛ لأن الله -تعالى- وصفه بـ(الرجس)، فيحرم استعمال جميع أجزائه، إلا أنه رخص في شعره للخرازة للضرورة([7]).
وفي مذهب الإمام مالك: يرى الإمام أبو بكر بن العربي أن الأمة اتفقت على أن لحم الخنزير حرام بجميع أجزائه، أما شحمه فإن المبتدعة شغفت بأن تقول: فما بال شحمه؟، بأي شيء حرم؟، وهم أعاجم لا يعلمون أن من قال: لحمًا فقد قال: شحمًا، ومن قال: شحمًا فلم يقل: لحمًا؛ إذ كل لحم شحم، وليس كل شحم لحمًا من جهة اختصاص اللفظ، وهو لحم من جهة حقيقة اللحمية، وأما نجاسته فقال جمهور العلماء: إنه نجس. أما الإمام مالك فيرى أنه طاهر، وكذا كل حيوان عنده؛ لأن علة الطهارة عنده هي الحياة([8]).
وأما شعره فقيل: تجوز الخرازة به، حيث روي أن رجلًا سأل رسول الله -ﷺ- عن الخرازة بشعره، فقال: «لا بأس بذلك»، وقد ذكر هذا ابن خويز منداد بقوله: “.. ولأن الخرازة في عهد رسول الله -ﷺ- كانت وبعده موجودة ظاهرة، لا نعلم أنه -عليه الصلاة والسلام- أنكرها، ولا أحد من الأئمة بعده، وما أجازه رسول الله -ﷺ- فهو كابتداء الشرع منه([9]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: أن الخنزير محرم في شحمه، ودمه، وسائر أجزائه؛ وقد ذكر اللحم دون هذه لأنه معظم المقصود، والمراد في قول الله -تعالى-: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}([10]) جملته؛ لأن لحمه داخل في عموم الميتة، ويعد نجسَ العينِ، فلا يطهر([11]).
وفي مذهب الإمام أحمد: يعد الخنزير وما تولد منه وسؤره وعرقه وكل ما خرج منه نجس، ولا خلاف في ذلك، ولا تطهر النجاسة باستحالة؛ لأن رسول الله -ﷺ- نهى عن أكل الجلالة([12]) وألبانها؛ لأكلها النجاسة، ولا تطهر النجاسة بالنار، فالرماد من الروث النجس نجس، والصابون الذي يعمل من زيت نجس يعد نجسًا، ودخان النجاسة وغبارها نجس، وما تصاعد من بخار ماء نجس إلى جسم صقيل أو غيره نجس، وتراب جبل بروث حمار أو بغل ونحوه مما لا يؤكل لحمه نجس ولو احترق([13]).
وعند الإمام ابن حزم: أن لحم الخنزير وشعره وعظمه حرام كله، لا يحل أن يتملك ولا أن ينتفع بشيء منه؛ لأن الله -تعالى- قال: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}([14])، والضمير راجع إلى أقرب مذكور؛ فالخنزير كله رجس، والرجس واجب اجتنابه؛ لقول الله -تعالى-: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}([15])، حاشا الجلد، فإنه بالدباغ طاهر؛ لعموم قول رسول الله -ﷺ-: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»([16]).
قلت: وينبني على ما سبق أنه لا خلاف في تحريم الخنزير من جهة الانتفاع به، والقول باستثناء شعره لغرض محدد، أو القول باستثناء جلده بعد دباغته لا يحد من مسألة تحريمه في عمومه؛ لأن ذلك هو الأصل؛ حيث إن الله -تعالى- وصفه بالرجس، وأمر باجتناب الرجس، وهذا الوصف والأمر يشملان كل ما ينتج من الانتفاع بالموصوف بشكل مباشر أو غير مباشر، فثمر الشجر الذي يتغذى من روث الخنزير أو دمه أو سائر أجزائه يدخل في عموم هذا التحريم؛ حيث إن من المعلوم أن الثمر-أيًّا كان نوعه- يستمد مادته-سواء في نموه أو لونه أو طعمه-من مختلف المواد التي توضع له كالماء، والسماد وغيرهما.
وقد أثبتت الدلائل العلمية والطبية أن المواد النجسة التي تسقى أو تطعم بها الأشجار تؤثر بقوة في ثمرها، وهذا التأثير يؤدي إلى أمراض خطرة تنتقل إلى الإنسان، كالوباء الكبدي، والسرطان، وغير ذلك من الأمراض الأخرى، ولما كان الخنزير في أجزائه نجسًا اقتضى هذا أن كل ما يتولد عنه من جهة الانتفاع به يعد نجسًا، كما هو الحال في سائر النجاسات كالعذرة([17])، فقد روي عن بعضهم القول أنهم كانوا يكرون أرض رسول الله -ﷺ-، ويشترطون على من يكريها ألا يلقي فيها العذرة، وروي عن ابن عمر أنه كان يكري أرضه، ويشترط ألا تُدْمن بالعذرة، كما روي أن رجلًا كان يزرع أرضه بالعذرة، فقال له عمر: أنت الذي تطعم الناس ما يخرج منهم؟([18]).
وخلاصة المسألة: أن الخنزير محرم بحكم الكتاب والسنة والإجماع، وهذا التحريم يشمل جميع أجزائه، مع قول البعض باستثناء شعره لغرض واحد هو الخرازة، وقول البعض الآخر باستثناء جلده بعد دباغته.
وهذا القول لا يحد من مسألة تحريمه في عمومه؛ لأن ذلك هو الأصل، حيث إن الله -تعالى-وصفه بالرجس في قوله -عز وجل-: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}، وقد أمر الله باجتناب الرجس، وهذا الوصف والأمر يشملان كل ما ينتج من الانتفاع بالموصوف بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فثمر الشجر الذي يتغذى من روث الخنزير أو دمه أو عظمه يدخل في عموم هذا التحريم؛ حيث إن من المعلوم أن الثمر-أيًّا كان نوعه- يستمد مادته-سواء في نموه أو لونه أو طعمه-من مختلف المواد التي توضع له، كالماء والسماد وغيرهما.
وقد أثبتت الدلائل العلمية والطبية أن المواد النجسة التي تسقى أو تطعم بها الأشجار تؤثر بقوة في ثمرها، وهذا التأثير يؤدي إلى أمراض خطيرة تنتقل إلى الإنسان، كالوباء الكبدي والسرطان وغيرهما من الأمراض الأخرى.
ولما كان الخنزير نجسًا اقتضى هذا أن كل ما يتولّدُ عنه من جهة الانتفاع به يعد نجسًا، كما هو الحال في سائر النجاسات. والله -تعالى-أعلم.
([2]) سورة المائدة من الآية 3.
([3]) سورة الأنعام من الآية 145.
([4]) سورة النحل من الآية 115.
([5]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب قتل الخنزير، برقم 2322، فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر ج4 ص483.
([6]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، برقم 2236، فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر ج4 ص495.
([7]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج1 ص63، وانظر: حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة ج1 ص204، 3265-327.
([9]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص223، وانظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج1 ص467، وينظر ص76-79.
([10]) سورة الأنعام من الآية 145.
([11]) المجموع شرح المهذب للإمام النووي مع فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي ج9 ص5، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الخطيب ج1 ص78-81.
([12]) الجلَّالة من الحيوان: التي تأكل العَذِرَةَ، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج1 ص288، صححه شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن الدارقطني، (٤٧٥٣)..
([13]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج1 ص186-187، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج21 ص71-72.
([14]) سورة الأنعام من الآية 145.
([15]) سورة المائدة من الآية 90.
([16]) المحلى بالآثار ج1 ص132-133، والحديث أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ برقم (105)، صحيح مسلم مع شرحي الأبي والسنوسي ج2 ص210.
([17]) العذرة: فناء الدار وناحيتها. والمقصود هنا الغائط الذي يُلقيه الإنسان، وسُمّيت بالعذرة؛ لأنّهم كانوا يلقونها في أفنية الدور، النهاية في غريب الحديث ج3 ص199.