اختلف الفقهاء في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم عند قراءة سورة الفاتحة، فطائفة منهم ترى قراءتها وهؤلاء هم عامة العلماء([1]). استدلالًا بما رواه نعيم المجمر أنه قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن، وقال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ([2]). واستدلالًا أيضًا بما روي أن رسول الله ﷺ قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم([3]). وما روي أيضًا أنه -عليه الصلاة والسلام- قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم، وعدها آية([4]).
أما الطائفة الثانية فلا ترى قراءتها في أول الفاتحة، لما روي أن رسول الله ﷺ وأبا بكر وعمر يفتتحون الصلاة بـ(الحمد لله رب العالمين)([5]).
قلت: ولعل الأصح قراءتها في بداية الفاتحة، استدلالًا بفعل السلف حيث يعدونها آية منها في القراءة وفي كتابة المصحف.
والجهر بها محل خلاف كذلك بين العلماء([6])، فقالت طائفة منهم بأنه ينبغي الإسرار بها، وقال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله ﷺ ومن بعدهم من التابعين. وممن قال بذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعدد آخر من الصحابة والتابعين، وممن قال بذلك أيضًا الإمام أحمد([7])، وأصحاب المذهب الحنفي([8]).
وقالت طائفة ينبغي الجهر بها في الجهرية، ومنهم طاووس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير([9])، وهو مذهب الإمام الشافعي([10]). استدلالًا بحديث أبي هريرة أنه قرأ بها في الصلاة، وقال: (ما أسمعنا رسول الله ﷺ أسمعناكم وما أخفى علينا أخفينا عنكم([11]). كما استدلوا بأن البسملة آية من آيات سورة الفاتحة، فوجب الجهر بها([12]).
قلت: وفي الأمر سعة فكلا الأمرين جائز.
***
([1]) انظر: المغني، ج ص147-148.
([2]) أخرجه مسلم، (٣٩٢)، أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، سنن النسائي، ج2 ص133-134.
([3]) المغني لابن قدامة، ج2 ص148.
([4]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج6 ص302، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن الدارقطني، (١١٧٥): صحيح لغيره.
([5]) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في ترك الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، سنن الترمذي، ج2 ص12-13، برقم (244)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٧٨٣).
([8]) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، ج1 ص490-491.
([10]) انظر: الحاوي الكبير للماوردي، ج2 ص195.
([11]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب القراءة في الفجر، فتح الباري، ج2 ص294، برقم (771).