سؤال‮ ‬من‮ ‬الأخ منصور الحارثي،‮ ‬من الطائف في‮ ‬المملكة العربية السعودية،‮ ‬عن القول الراجح في‮ ‬مضاعفة الصلاة في‮ ‬مساجد مكة المكرمة‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

القول الراجح في‮ ‬مضاعفة الصلاة في‮ ‬مساجد مكة‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

فضائل مكة ومساجدها أكثر من أن تحصى، والأصل فيها الكتاب والسنة، أما الكتاب، فقول الله -عز وجل-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 441] . وهذا أمر لرسول الله وهو أمر لأمته والأمر يقتضي التكليف والثواب على القيام به، كما يقتضي النهي عن خلافه مع الجزاء عليه، وأما السنة، فقول رسول الله فيما رواه أبو هريرة‏: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)([1]). وقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه عبدالله بن الزبير‏: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)([2]). وقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه أبو هريرة:  (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد الرسول ، والمسجد الأقصى)([3]).

وقد وردت في فضائل مكة ومساجدها أقوال كثيرة، منها قول الحسن البصري -رحمه الله-‏: ما على وجه الأرض بلدة يستجاب فيها الدعاء في خمسة عشر موضعاً إلا مكة‏: أولها جوف الكعبة الدعاء فيها مستجاب، والدعاء عند الحجر مستجاب. والدعاء خلف المقام مستجاب، والدعاء في الملتزم مستجاب، والدعاء عند بئر زمزم مستجاب، والدعاء على المروة مستجاب، والدعاء بمنى مستجاب، والدعاء بين الصفا والمروة مستجاب، والدعاء بين الركن والمقام مستجاب، والدعاء بعرفات مستجاب، والدعاء في المشعر الحرام مستجاب. ومن صلى فيها صلاة رفعت له مائة ألف صلاة، ومن صام فيها يوماً كتب له صوم مائة ألف يوم([4]).

وقد اختلف في المراد بالمسجد الحرام الذي وردت الأحاديث المشار إليها آنفاً بمضاعفة الأجر فيه، ففي مذهب الإمام أبي حنيفة قيل‏: إن المراد الكعبة والحجر، وقيل‏: الكعبة وما حولها من المسجد، والمشهور في المذهب أن تضعيف الأجر خاصة في الفرض يعم جميع مكة، بل جميع حرمها الذي يحرم صيده([5]).

وفي مذهب الإمام مالك‏: أشار الإمام القرطبي إلى أن قول الله -عز وجل-‏: {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}يطلق على جميع الحرم، وهو مذهب عطاء بن أبي رباح([6]). وقيل‏: إن قوله -عز وجل-: {الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}يراد به الحرم كله؛ لأن المشركين صدوا رسول الله وأصحابه عنه عام الحديبية([7]). وفي مذهب الإمام الشافعي:  أن تضعيف الصلاة يعم جميع مكة من المنازل والشعاب وغير ذلك، خلافاً للإمام النووي الذي يرى أنه يعم جميع الحرم([8]).

قلت‏: وينبني على ما سبق أن ما ورد في فضل المسجد الحرام يشمل مساجد مكة المحصورة بين أعلام حرمها، ولكن المسجد الذي تتوسطه الكعبة له الخصوصية الأولى في الفضل؛ فمن يصلي فيه ينظر إلى عين الكعبة مباشرة، ومن يسعى إليه يحظى بفضيلة السبق في قول الله تعالى‏: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة‏: 9]. ومن يصلي فيه قاصداً له تكون له فضيلة الخطى في قول رسول الله ‏: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات) قالوا بلى يا رسول الله، قال (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة من الصلاة، فذلكم الرباط)([9]). وقوله -عليه الصلاة والسلام- لبني سلمة فيما رواه جابر بن عبدالله قال‏: خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله  فقال لهم‏: (إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد). قالوا‏: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال‏: (يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم. دياركم تكتب آثاركم)([10]). وفي لفظ آخر‏: (ألا تحتسبون آثاركم)([11]).

([1])  أخرجه البخاري في كتاب فضل الصلاة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (0911)، صحيح البخاري مع فتح الباري ج3 ص76.

([2])  أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي ، برقم (6041)، سنن ابن ماجة ج1 ص054.

([3])  أخرجه البخاري في كتاب فضل الصلاة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (1189)، صحيح البخاري مع فتح الباري ج3 ص76.

([4])  المسجد الحرام والمسعى المشعر والشعيرة دراسة (فقهية – جغرافية – حضارية) للأستاذ الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان والأستاذ الدكتور نواب معراج مرزا، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 53 عام 1422هـ، ص 34-36، وفضائل مكة لعاتق بن غيث البلادي ص65، وفضائل مكة الواردة في السنة ج2 ص815 .

([5])  حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار في مذهب الإمام أبي حنيفة ج1 ص659 .

([6])  الجامع لأحكام القرآن ج8 ص104، وج12ص32.

([7])  الجامع لأحكام القرآن ج12ص32.

([8])  فتح الباري ج3 ص80، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي ج3 ص150-153.

([9])  أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، برقم (152)، صحيح مسلم بشرح النووي ج2 ص1200 .

([10])     أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب فضل كثرة الخطى إلى المساجد، برقم (566)، صحيح مسلم بشرح النووي ج3 ص 2064.

([11])     أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب احتساب الآثار، برقم (556-656)، صحيح البخاري مع فتح الباري ج2 ص 164.