سؤال من الأخ مكاوي… من الجزائر عن أنواع الطواف في الحج والعمرة، وهل هناك مفسدات له؟ وما العمل إذا زاد أو نقص؟.

أنواع الطواف في الحج والعمرة.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه أجمعين، وبعد،،

فأنواع الطواف في الحج ثلاثة:

النوع الأول: طواف القدوم: ويسمى طواف التحية، وهو سنة لمن أتى من الآفاق، ويؤديه المفرد بالحج أو القارن بين الحج والعمرة، كما يؤديه المتمتع بالعمرة إلى الحج، والأصل فيه حديث عائشة -رضي الله عنها- أن أول شيء بدأ به رسول الله ﷺ حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت([1])، والأصل فيه أيضًا حديث جابر بن عبد الله في قوله: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا([2]).

وجمهور العلماء على أن طواف القدوم سنة تحية للبيت العتيق يبدأ به القادم([3])، وخالف في ذلك المالكية فقالوا بوجوبه؛ لأنه من أخذ المناسك عن رسول الله ﷺ في قوله: (خذوا عني مناسككم)([4]). ويسقط طواف القدوم عن الحاج إذا أدركه يوم عرفة؛ لأن هذا اليوم أولى بالوقوف([5])، وفي مذهب الحنابلة قال الإمام أحمد: ‏«‏المتمتع إذا دخل مكة لطواف الزيارة يبدأ قبله بطواف القدوم، ويسعى بعده، ثم يطوف للزيارة بعدهما، وهكذا القارن والمفرد إذا لم يكونا دخلا مكة قبل يوم النحر، فإذا دخلاها للإفاضة، بدآ بطواف القدوم… ثم طافا للزيارة؛ لأن طواف القدوم مشروع، فلا يسقط بتعينِ طواف الزيارة‏»‏‏([6]).

النوع الثاني: طواف الإفاضة: وهذا ركن من أركان الحج بلا خلاف، فليس للحاج أن يتحلل التحلل الأكبر إلا بعد أن يؤدي هذا الطواف، بعد إفاضته من عرفة وبياته في مزدلفة، وله أسماء عدة هي طواف الفرض، وطواف الزيارة، وطواف الركن، وطواف الإفاضة، والأصل في فرضيته قول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [الحج:29]([7]).

والأصل فيه أيضًا قصة صفية زوجة رسول الله ﷺ فلما أخبر أنها حاضت قال: (أحابستنا هي؟) فقالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت، قال: (فلتخرج إذًا)([8]).

ويشترط في هذا الطواف أن يكون بعد الوقوف بعرفة فلو طاف قبل الوقوف لم يجز، وقيل في وقته إنه من طلوع الفجر الثاني يوم النحر وهو مذهب الحنفية([9])، والمالكية([10])، وقيل إن وقته بعد منتصف ليلة النحر وهو مذهب الشافعية([11])، والحنابلة([12])، والأفضل أن يبتدئ وقته يوم النحر بعد أن يرمي الحاج جمرة العقبة ويحلق أو يقصر شعره.

النوع الثالث: طواف الوداع: ويعد واجبًا عند أكثر العلماء([13]). والأصل في ذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض([14]). وفي مذهب الإمام مالك أنه مستحب، لأنه قد أجيز للحائض تركه، فلو كان واجبًا لما أجيز لها ذلك([15])، ويجب على الآفاقي، فلا وداع على المكي ولا من هو في حكمه، ولا يجب كذلك على الحائض والنفساء إذا فارقتا مكة قبل طهارتهما، فإن طهرتا قبل المغادرة طافتا للوداع.

ويفسد الطواف في أنواعه الثلاثة بعدم الطهارة من الحدثين أو من الجنابة، كما يفسد بخروج الدم الكثير وبالقيء، كما يفسد بالزيادة أو النقص. فالأصل أن عدده سبعة أشواط كما فعل ذلك رسول الله ﷺ فيما رواه جابر بن عبد الله في صفة الحجة النبوية بقوله: ‏«‏… حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا‏»‏‏([16]). فدل ذلك على أن عدده سبعة أشواط، فما زاد منه أو نقص أفسده ما لم يكن ذلك عن جهل أو خطأ.

هذه أنواع الطواف في الحج، أما في العمرة فلها طواف واحد وسعي واحد.

والله تعالى أعلم.

 

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الطواف على وضوء، فتح الباري، ج3 ص580، برقم (1164)

([2]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص247، برقم (1218).

([3]) حاشية ابن عابدين، ج2 ص496، والمهذب للشيرازي، ج1 ص221، والمغني مع الشرح الكبير لابني قدامة، ج2 ص382.

([4])الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبد البر، ص135، والحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره وبيان قوله ﷺ: (لتأخذوا مناسككم)، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص358-359، برقم (1297).

([5]) حاشية ابن عابدين، ج2 ص525، والمعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عبد الوهاب البغدادي، ج1 ص586، والاستذكار لابن عبد البر، ج12 ص191-192.

([6]) الكافي لابن قدامة، ج2 ص446.

([7]) قال الماوردي في الحاوي الكبير، ج5 ص259: ‏«‏ويسمى طواف الإفاضة، أي: الإفاضة من عرفات، ويسمى: طواف الصدر، يعني: حين يصدر الناس من منى، ويسمى: طواف الزيارة، لزيارتهم البيت بعد فراقهم له، ويسمى: طواف الفرض، لأنه ركن مفروض لا يتم الحج إلا به‏»‏‏.

([8]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الزيارة يوم النحر، وباب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت، فتح الباري، ج3 ص663، 685، برقم (1733، 1757)، وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص396، برقم (1211).

([9]) بدائع الصنائع للكاساني، ج2 ص132.

([10]) أسهل المدارك شرح إرشاد السالك، ج1 ص471.

([11]) الحاوي الكبير للماوردي، ج5 ص259.

([12]) المغني، ج5 ص313.

([13]) بدائع الصنائع للكاساني، ج2 ص134، والحاوي الكبير للماوردي، ج5 ص287، والكافي لابن قدامة، ج2 ص455.

([14]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص395، برقم (1328)، وأخرجه البخاري في كتاب الحج، باب طواف الوداع، فتح الباري، ج3 ص684، برقم (1755).

([15]) المعونة على مذهب عالم المدينة، ج1 ص588.

([16]) صحيح مسلم بشرح النووي، ج8 ص174-175.