سؤال من الأخ: معوض، من الجزائر، يقول: هل يجوز لنا أن نبين للناس أن شخصًا ما مبتدع؟ وهل يدخل هذا في الغيبة؟

البيان عن أهل البدع وما إذا كان هذا من الغيبة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فأهل البدع يعدون من المفسدين، وهم نوعان:

نوع يحرف الكلم عن مواضعه، فيضل في نفسه ثم يضل غيره، بافترائه الكذب على الله وعلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي هؤلاء قال الله -عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: 21]، وقد لعن الله جل في علاه هؤلاء المحرفين، ووصفهم بقسوة قلوبهم، فقال -عز وجل-: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: 13].

وفيهم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: ((مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))([1]).

النوع الثاني: الابتداع في الدين بما ليس منه، وأساسه الهوى وسيطرة الشيطان وضلاله، وقد ذم الله أهل الأهواء ووصفهم بالضلال، فقال -جل في علاه-: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23]، وأصحاب هذا النوع من أهل البدع مثل سابقيهم بل أخطر منهم، فإذا كان أولئك يحرفون الكلم عن موضعه فهؤلاء يشاركون الله ويشاركون رسوله فيما أمروا به ونهوا عنه، فيحلون ما حرمه الله ويحرمون ما أحله، ويزيدون في الدين وينقصون منه افتراء على الله وعلى رسوله، وقد توعدهم بقوله -تقدس اسمه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل: 116-117]، ومن ذلك تحليلهم للربا وتحليلهم للفواحش تحت أسماء ومسميات فاسدة.

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ فنحن أمام مسألتين:

الأولى: أن الغيبة محرمة؛ لقول الله -عز وجل-: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]، وهي أيضًا محرمة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)). قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته))([2]).

المسألة الثانية: أننا أمام قوم يبتدعون في الدين ما ليس منه، ولأن البدع أخطر من اغتياب أصحابها؛ لكونهم يضلون الناس بغير علم ويشاركون الله في أمره ونهيه فيجوز إذًا البيان للناس عنهم وابتداعهم في الدين، فهذا لا يعد غيبة؛ لأن البيان عنهم يدفع الخطر عن الدين والأخلاق.

فالحاصل: أن بالموازنة بين اغتياب أهل البدع والبيان للناس عنهم تجعل اغتيابهم جائزا فلا غيبة لمبتدع.

والله -تعالى- أعلم.

 

([1]) أخرجه البخاري، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت، برقم: (1291)، (2/80)، ومسلم، ‌‌باب: في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، برقم: (4)، (1/8).

([2]) أخرجه مسلم، ومسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، برقم: (2589)، (8/21).