سؤال من الأخ مروان ز‮ … ‬من ولاية تيبازة من الجزائر،‮ ‬يقول فيه‮:‬ ذهب البعض إلى تأويل صفة نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا،‮ ‬بنزول الرحمة،‮ ‬فكيف نرد عليهم‮؟.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا‮

والجواب: أن من الصفات الفعلية لله عز وجل نزوله إلى السماء الدنيا؛ نزولاً يليق بعظمته وجلاله، ويفعله بحكمته، وإرادته، ومشيئته؛ فهو يفعل كيف شاء، ومتى شاء{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}[الأنعام:301]. وهذا النزول لا يتنافى مع علوه عز وجل، واستوائه على عرشه؛ لأن علوه، واستواءه ونزوله خاص بذاته العلية، ولا يشبه نزول المخلوقين في فعل من أفعالهم، أو صفة من صفاتهم، كما قال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] .

ونزوله جـل ثناؤه إلى السـماء الدنيا ثابت في الأحاديث الواردة عن رسول الله ، منها ما رواه أبو هريرة  أن رسول الله r  قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول:من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني

فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له)([1]). وما رواه أيضاً  أن رسول الله r قال:(ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول:أنا الملك، أنا الملك. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)([2]).

وفي مسند الإمام أحمد ما رواه علي بن أبي طالب  أن رسول الله r قال:(لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء الأخيرة إلى ثلث الليل، فإنه إذا مضى ثلث الليل هبط الله عز وجل إلى سماء الدنيا لم يزل بها حتى يطلع الفجر، فيقول:ألا سائل يعطى، ألا داع فيجاب، ألا مذنب مستغفر فيغفر له، ألا سقيم يستشفي فيشفى)([3]). وفي سنن الدارمي عن رفاعة الجهني أن رسول اللهrقال:(إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل نزل الله إلى سماء الدنيا، فقال:لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، حتى ينفجر الفجر)([4]).

وعن أبي هريرة  قال:قال رسول اللهr :(ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل، أو لثلث الليل الآخر، فيقول:من يدعوني فأستجيب له، أو يسألني فأعطيه ..)([5]).

فهذه الأحاديث وغيرها من أحاديث النزول رويت من عدة طرق، تدل كلها على نزوله جل وعلا إلى السماء الدنيا، لينظر إلى عباده من منهم يدعوه فيستجيب له دعاءه، ومن منهم يسأله فيعطيه سؤله، ومن منهم يستغفره فيغفر له ذنوبه، ومن منهم من يستنصره من ظلم وقع عليه فينصره.

ويستنبط من هذه الأحاديث أربعة أحكام:

أولها:أن الله جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما هو ظاهر هذه الأحاديث.

وثانيها: أن هذا النزول نزول فعلي خاص بذاته العلية، بدليل قول رسول اللهr :(ينزل ربنا تبارك وتعالى وهذا يقتضي نفي أي تأويل لهذا النزول، خلاف ما هو واضح من لفظ الأحاديث.

وثالث الأحكام:أن هذا النزول خاص بالنظر في مطالب العباد، وهذا يتنافى مع من يأوِّل النزول بأنه خاص بنزول رحمته، أو أمره، أو إرادته؛ ذلك أن رحمة الله، وأمره، وإرادته، ومشيئته جل وعلا تنزل في سائر الأوقات، وليست مقيدة بوقت واحد.

والآيات الدالة على هذا من كتاب الله كثيرة، منها قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى:82]. وقوله عز وجل:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}[يس:28]. وقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:681]. وقوله جل ثناؤه:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:06] .

ورابع الأحكام:وجوب الإيمان بحقيقة نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة، دون البحث في كيفية هذا النزول؛ ذلك أن رسول اللهrعلّمنا في الأحاديث المروية أن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا، ولم يبين لنا عليه الصلاة والسلام كيفية هذا النزول، فاقتضى هذا أن نسلم ونشهد ونؤمن بما جاء عنه عليه الصلاة والسلام دون تأويل أو تحريف.

وخلاصة المسألة: أن من الصفات الفعلية لله -عز وجل– نزوله إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بعظمته وجلاله، ويفعله بحكمته وإرادته ومشيئته. وقد دلت الأحاديث المروية عن رسول الله  أن الله -جل وعلا– ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيستجيب لمن يدعوه، ويعطي من يسأله، ويغفر لمن يستغفره.

ويستدل من هذه الأحاديث على أن هذا النزول نزول فعلي خاص بذات الله العلية، وهذا يقتضي نفي أي تأويل لهذا النزول، كما يستدل منها أنه -جل وعلا– ينظر في مطالب العباد في الثلث الأخير من كل ليلة، وهذا يتنافى مع من يأوِّل النزول بأنه خاص بنزول رحمته، أو أمره، أو إرادته؛ لأن رحمة الله وأمره وإرادته ومشيئته تنزل في سائر الأوقات، وليست مقيدة بوقت واحد، وعلى المسلم أن يؤمن بحقيقة نزول الله -عز وجل– إلى السماء الدنيا كل ليلة، دون البحث في كيفية هذا النزول.

([1])        أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج٣ ص٤٨-٦٨ ، برقم (٨٦١) .

([2])        أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج٣ ص٦٨ ، برقم (٩٦١).

([3])        أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج٢ ص٨٢ ، ج٤ ص٤١١.

([4])        أخرجه الدارمي في سننه، ج١ ص٦٤٣ ، باب ينزل الله إلى السماء الدنيا.

([5])        أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٣ ص٧٨ ، برقم (١٧١) .