الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فظاهر سؤال الأخ عن هجر زوجته لفراشه وحكم العادة السرية. والجواب عن السؤال من وجهين : الأول: هجر الزوجة لفراش زوجها، فهذا الهجر نشوز أي عصيان لما يجب عليها، فالزواج له منافع، سواء للزوجة أو الزوج، ومن هذه المنافع الاستمتاع وإنجاب الولد إلى جانب العلاقات الزوجية وما ينبثق عنها من وجوب المودة والمحبة والسكينة بين الزوجين، فإذا أخل أحد الزوجين بهذه المنافع فقد أخل بعقد الزوجية وميثاقها، ولو لم تكن هذه المنافع لا يصبح للزواج معنى . وقد بين الله لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته أحكام النشوز فقال : (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)(النساء:34). ففي هذه الآيات أحكام منها : وعظ المرأة التي نشزت، فإن لم تنته عن نشوزها يجب هجرها، فإن لم تنته فتضرب، أي ضربًا غير مبرح، ولما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك قال : ولن يضرب خياركم ([1])وقد سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الضرب فقال يكفي فيه الضرب بالسواك ([2])؛ فاقتضى ذلك أنه لا يجوز للزوجة هجر فراش زوجها، فإن لم تنته بعد وعظها وهجرها وضربها تصبح حينئذ الزوجية لا معنى لها، فيكون الخلاص منها هو السبيل الوحيد، وقد شدد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حق الزوج في الاستمتاع بزوجته، فقال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه أبوهريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح»)([3]). وقال -عليه الصلاة والسلام- : (لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)([4]).
الوجه الثاني: حكم العادة السرية : هذه العادة تسمى (الاستمناء) وهي استخراج ماء الرجل أو ماء المرأة بطرق معينة، والأصل فيه التحريم؛ لقول الله -تعالى- في وصف المؤمنين : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ )(المؤمنون:5-7). والمعنى واضح أن من ابتغى غير زوجته أو أَمَته فهو معتد، والله لا يحب المعتدين، وهذه العادة السرية محرمة كذلك لما ينتج منها من أضرار كثيرة، ومنها الاكتفاء بها والعزوف عن الزواج، وما ينتج من ذلك من ضعف النسل أو قطعه، خلافًا لحكمة الله في الخلق، كما قال -عز وجل- : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)(النحل:72). ومن هذا الأضرار ما قد ينتج من هذه العادة من أضرار صحية، قد لا تحدث إلا بعد المداومة عليها، ومن هذه الأضرار إدمان الشباب عليها، خاصة مع عدم تيسير الزواج لهم .
إن الواجب في هذه الأحوال تيسير الزواج للشباب وتعوديهم ما كان عليه السلف من السلوك الحسن، وهو ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)([5]).
فدل ما ذكر على وجوب اجتناب هذه العادة، والحذر من أخطارها .
هذا في عموم سؤال الأخ، فالحاصل أن امتناع الزوجة عن فراشه يعد نشوزًا أي عصيانًا، وهو مما يحرم عليها، وأن العادة السرية مما يحرم فعلها؛ لما فيها من الاعتداء و الأضرار الكثيرة.
[1] – أخرجه الحاكم في المستدرك برقم : (2775).
[2] – فتح الباري 11/215.
[3] – أخرجه البخاري برقم : (3237).
[4] – أخرجه الترمذي برقم : (1159).
[5] – أخرجه البخاري برقم : (5065).