الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالعبد لا يملك اختيار مكانه حال صيامه، فقد يكون في مكان حار، وقد يكون في مكان بارد، فهو على هذه الحال يجزى على عمله، فعليه أن يحتسب في طاعته لربه وعبادته له في أي مكان، فكلما كان أقرب إلى ربه في عبادته كان ربه أقرب إليه؛ كما في الحديث القدسي: ( وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها)([1]).
والعبادات تتفاضل في الأجر في الزمان والمكان، فمن يكثر العبادة مثلًا في عشر ذي الحجة أكثر أجرًا من الذي لا يكثرها، ومن يصلي الوتر آخر الليل في أثناء لذة النوم أكثر أجرًا من الذي يصلي في أول الليل، والشاهد فيه ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:( ينزلُ اللهُ كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، حين يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ، فيقولُ: من يدعوني فأستجيبُ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرُني فأغفر له)([2])، كما تتفاضل العبادة في المكان، فمن يصلي أو يصوم في الحرم المكي أو المدني أو المسجد الأقصى أكثر أجرًا من الذي يصوم ويصلي فيما سواها، ومع ذلك فإن كل من يطيع الله ورسوله فيما أمرا به وما نهيا عنه ويعمل عملًا صالحًا يخلص فيه لله -عز وجل- يرفعه إلى أعلى الدرجات، والأصل فيه قول الباري -عز ذكره-: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]. هذا هو الحاصل.
والله – تعالى- أعلم.
[1]– أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675) باختلاف يسير.
[2]– أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).