الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا السؤال يذكر بما كان عليه فكر الناس وعملهم في الجاهلية، فقد كانوا لا يورثون المرأة ولا الأيتام أو الصبية الصغار. والشاهد فيه قصه (أم كجة) زوجة أوس بن ثابت الأنصاري، توفي عنها زوجها وتركها وثلاث بنات له منها. فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه (سويد وعرفجة)، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئًا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكرًا، وإنما كانوا يورثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا مَن قاتَل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كجة فقالت: يا رسول الله، إن أوس بن ثابت مات وترك علَيّ بنات وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالًا حسنًا، وهو عند سويد وعرفجة، ولم يعطياني ولا بناتي شيئًا، وهن في حجري، لا يطعمن ولا يسقين، فدعاهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسًا ولا يحمل كلًّا ولا ينكأ عدوًّا، فأنزل الله -عز وجل-:( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)([1]).
هكذا كان الظلم في الجاهلية، فجاء الإسلام وأبطل هذا الظلم، وحكم الله فيه بقوله -عز وجل-: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )(النساء:7).
هذا هو الأصل في كتاب الله، حكم لا يتبدل ولا يتحول، يقرؤه المسلم بلسانه، ويعيه بقلبه ويتدبره بعقله.
ومع وضوح الحكم وبيانه، إلا أن العبد قد يتعرض لما يصرفه عن الحق؛ إما لجهل أو طمع أو سوء فهم لما علمه من الحكم الذي حكم الله به، ويتخذ هذا صورتين : الأولى : الشح بالأرض كما في السؤال، فيخشى أصحابها أن يأتيهم غريب عنهم فيشاركهم في الأرض بحكم زواجه من نسائهم، وهذا ربما لا يزال في بعض الأرياف في بعض بلاد المسلمين. الصورة الثانية : عضل بعض الآباء لبناتهم؛ خشية أن يشاركهم أزواجهن سواء في الميراث أو في الأوقاف أو في الحظوظ المالية الأخرى، وهذا كله مناف لحكم الله وقضائه .
فاقتضى ما ذكر أن للمرأة عمومًا حقًّا في الإرث من والديها وأقاربها، سواء في الأرض أو المزرعة أو المال أو المسكن، أو أي شيء يترتب لها بحكم نصيبها الشرعي من الإرث البين في قول الله – عز وجل- : (وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النساء:176).
فالحاصل: أنه لا يجوز لأحد منع المرأة من نصيبها مما ترك والداها أو أقاربها مما تستحقه شرعًا، فهذا الاستحقاق حكمٌ حكم الله به وقضاء قضى به، وهو الحكيم العليم .
[1] – تفسير البغوي ج2ص169 وتفسير الطبري ج7ص32.