سؤال من الأخ محمد من الجزائر، يقول: ما حكم الأخذ من اللحية؟ وجزاكم الله خيرًا.

الأخذ من طول اللحية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالأصل إعفاء اللحية وإحفاء الشارب؛ لما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-من أحاديث، منها قوله:” قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين “([1])، ومنها قوله:” خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ”([2])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-:” خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ”([3]).

وقد اختلف العلماء حول مسألة إعفاء اللحية أو تقصيرها، فمنهم من قال بعدم جوازه، ومنهم من قال بجوازه، وسبب الاختلاف أن ابن عمر -رضي الله عنه- الذي راوي حديث” أعفوا اللحى” كان يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة، ومن قال بعدم جواز التقصير استدل برواية ابن عمر ” أعفوا اللحى” وليس برأيه، ومن قال بالجواز استدل بأن الراوي أدرى بما روى.

هذا، وقال بجواز الأخذ ما زاد على القبضة عدد من الأئمة، منهم الإمام مالك، فقد روى ابن القاسم عن ماله قوله: ” لا بأسَ أن يؤخَذَ ما تطايرَ من اللِّحيةِ وشَذَّ، وقيل لمالك: فإذا طالت جدًّا؟ قال: أرى أن يؤخَذَ منها وتُقَصَّ”،([4]) وقال بأخذ ما زاد عن القبضة الإمام أحمد([5])، وقال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية([6]). وقال بهذا آخرون، فذكر المرداوي في الإنصاف أن له أن يُعفِي لحيتَه ولا يُكرَهُ أخذُ ما زاد على القبضةِ”([7]).

وقال ابن عبد البر:” وفي أخذِ ابنِ عمَرَ مِن آخِرِ لحيتِه في الحَجِّ دليلٌ على جوازِ الأخذ من اللحيةِ في غير الحَجِّ؛ لأنَّه لو كان غيرَ جائزٍ ما جاز في الحَجِّ”([8]).

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح:” الذي يظهَرُ أنَّ ابنَ عُمرَ كان لا يخُصُّ هذا التَّخصيصَ بالنُّسُكِ، بل كان يحمِلُ الأمرَ بالإعفاءِ على غير الحالةِ التي تتشَوَّه فيها الصورةُ بإفراطِ طُولِ شَعرِ اللِّحيةِ أو عَرضِه”([9]).

والأقوال في هذا كثيرة، وحاصلها وما يتصدرها رأي ابن عمر -رضي الله عنه- وهو الصحابي الجليل الزاهد العابد، فهذا الرأي وهذا الجمع من العلماء رأوا جواز الأخذ من شعر اللحية ما زاد عن القبضة.

قلت: ولعل هذا الجواز يرتبط بما إذا كان في طول هذا الشعر وما يتطاير منه تشويه للحيته. فهذا هو الجواز، ولكن ليس بلازم على من يريد إطالة شعر لحيته أكثر من القبضة.

والله -تعالى- أعلم.

[1] أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (7132).

[2] أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (259).

[3] أخرجه مسلم برقم (260).

[4] المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي ج4 ص 367.

[5] مسائل ابن هاني ج2 ص 151.

[6] مراتب الإجماع ص:120.

[7] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ج1 ص 121.

[8] الاستذكار ج4 ص 317.

[9] فتح الباري ج 10ص 36.