الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالزواج من سنن الله وحكمته في خلقه، قال -عز وجل- : {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]، وقال -جل في علاه- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [ الروم: 21] وكما أمر الله بالزواج أمر به رسوله في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة)([1])، وقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)([2]) وقال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)([3]).
فلا خلاف إذًا في أهمية الزواج للشاب بعد بلوغه الحُلم، فتلك سنة الله وحكمته في خلقه، ولكن المشكلة تكون في عدم قدرة بعض الشباب على الزواج؛ لأسباب اقتصادية واجتماعية ونحو ذلك من الأعباء والمعوقات، فيلجأ الشاب إلى وسيلة تتيح له الزواج لتحصين نفسه وتكوين أسرة له، وهذه الوسيلة الاقتراض من البنك، وهنا تثور مشكلة الحل والحرمة في هذا الاقتراض.
فالربا مما حرم الله وعظم تحريمه، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة:
وأما الكتاب: فقال الله -تقدس اسمه-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وقال -عز ذكره-: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، وهذا وعد منه -ووعده الحق- وقد أمر -عز وجل- المؤمنين أن يتقوا الله ويتركوا الربا، فإن لم يفعلوا فهم محاربون لله ورسوله، قال -عز ذكره-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ} [البقرة: 278-279].
فهذا الشاب يجد هذه الوسيلة، ولكنها وسيلة محرمة عليه، فلعله يبحث عن وسيلة أخرى تحقق له رغبته في الزواج، وقد تكون هذه الوسيلة الاقتراض الحسن من أصحاب الخير، وقد تكون من البنوك التي تكيف نوعًا من الاقتراض بالحل وعدم الحرمة، وفوق كل ذلك تقوى الله والتمسك بدينه، فمن اتقاه استجاب دعاءه وحقق له حاجاته، وفي هذا قال -عز وجل- : {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2-3]، وقال -جل في علاه-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 22]، فنسأل الله أن يجعل له مخرجًا، ويحقق أمانيه في الزواج، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله – تعالى- على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
[1] – أخرجه الزرقاني في مختصر المقاصد برقم (326)، وصححه.
[2] – أخرجه أبو داود برقم (2050)، قال الألباني في صحيح أبي داود، (٢٠٥٠): حسن صحيح.
[3] – أخرجه البخاري برقم : (5065).