سؤال من الأخ محمد.، من المملكة الأردنية الهاشمية، يقول: يقوم الشخص بتحميل تطبيق (z.media)، ثم يدفع قيمة اشتراك لمدة سنة بقيمة ١٠٠٠دولار تقريبًا، وبعد الاشتراك يقوم بالدخول على التطبيق الذي يحتوي على إعلانات لشركات تجارية في مختلف المجالات، ويستعرض هذه الإعلانات، وكلما وضع رمز إعجاب على إعلان منها حصل على مبلغ من المال من التطبيق، قدره دولاران تقريبًا كل يوم، ويحق له أن يضع الإعجاب على ١٨ إعلانًا في اليوم كحد أقصى، بحيث يجمع يوميًّا ٥٠ دولارًا……فما الحكم الشرعي؟ وشكرًا.

حكم الاشتراك في تطبيق للدخول إلى الإعلانات للحصول على المال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر السؤال أن شخصًا يشترك في تطبيق بقصد الدخول إلى إعلانات الشركات، وكلما وضع علامة إعجاب على واحد من هذه الإعلانات تقاضى خمسين دولارًا، بحد أعلى مائة وخمسين دولارًا.

هذه خلاصة السؤال، أما الحكم الشرعي فيه فإن هذا الفعل يعد من الميسر(القمار)، فهو يشترك بمبلغ معين يقامر به للحصول على أكثر مما دفع، وهذا محرم. والأصل فيه قول الباري -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [البقرة: 90-91].

ففي هاتين الآيتين حكم بأن الميسر حرام مثله مثل الخمر والأنصاب والأزلام أي، وأنه رجس من عمل الشيطان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: سخطٌ مِن عمل الشيطان، وقال سعيد بن جُبَيْر: إثم، وقال زيد بن أَسْلَم رضي الله عنهما: أي شَرٌّ مِن عمل الشيطان([1])، مما يجب على المسلم اجتنابه؛ لكي يحصل على الفلاح، وفي الآيتين أن هذا العمل من إرادة الشيطان؛ لكي يوقع المسلم في العداوة والبغضاء، وهذا هو الواقع في ممارسة الميسر، وما يؤدي إليه من العداوة بين المتنافسين فيه، فدل هذا على أن الميسر أو القمار حرام مثل الخمر والأنصاب والأزلام في آثاره.

هذا أمر القرآن الكريم، أما الأصل في تحريمه من السنة فقد رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن لَعِبَ بالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأنَّما صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِهِ”([2])، وما رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ” مَن لَعِبَ بالنَّرْدِ فقد عصى اللهَ ورسولَه.”([3])، وما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنمها- أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ” إنَّ اللهَ حرَّم عليكم الخمرَ والميسرَ والكُوبةَ- وهو الطَّبلُ- وقال: كلُّ مسكرٍ حرامٌ “([4]).

قلت: هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد يكون في هذه الإعلانات ما يخل بالأخلاق والآداب، ومن ذلك مشاهدة صور النساء. ووضع هذه الصور في أشكال تخل بالأخلاق والآداب، فلو لم يكن في هذه الإعلانات إلا مجرد الشبهة لوجب اجتنابها؛ باعتبارها من عدم التقوى، وقد أكد هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: ” إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ، لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه، ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُواقِعَهُ”([5]).

هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخ فهذا العمل الذي ذكره يعد ميسرًا، وهذا محرم، وعلى من يفعله أن يتقي الله، فهذا من الأفعال التي حرمها الله على عباده، وعاقبتها الضلال والخسران.

والله -تعالى- أعلم.

[1] تفسير الطبري ج1 ص 122.

[2] رواه مسلم (2260).

[3] أخرجه أبو داود (4938)، وابن ماجه (3762)، وأحمد (19521) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(4938).

[4] أخرجه أبو داود (3696) مطولاً، وأحمد (2625) باختلاف يسير، والبيهقي في ((الآداب)) (628) واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3685).

[5] أخرجه البخاري (52 )، ومسلم (1599)باختلاف يسير.