الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالجواب عن السؤال أن السنة لغةً هي الطريقة، وجمعها سُنَنٌ([1])، وسنة الله: طريقته وصنعه في خلقه، قال-عز وجل-: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ (الفتح: 23)، وقال-عز ذكره-: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ (فاطر:43). وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قوله وفعله وتقريره، وطريقته في إبلاغ الرسالة التي أمره الله بإبلاغها إلى عباده.
والسنة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي بعد الكتاب، وبعدها الإجماع والقياس، وهذه هي مصادر الشرع التي تبنى عليها الأحكام، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تُعف من قوله وفعله وتقريره، أما قوله فيؤخذ من حديثه -عليه الصلاة والسلام-، كقوله: «إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أَكْذَبُ الحديثِ»([2])، وقوله: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»([3])، وقوله-عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ؟، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ»([4])، والأقوال أو الأحاديث بما فيها من أمر أو نهي كثيرة، وقد حفظ لنا السلف والخلف هذه الأقوال في كتب الحديث، بعد أن حققوها، وبيّنوا مصادرها وأصولها.
أما فعله -عليه الصلاة والسلام- فما كان يفعله أمام زوجاته أو صحابته أو من كان حوله، فهذه الأفعال أساس في سنته، وهذه الأفعال كثيرة، منها مثلًا: اقتصاده في وضوئه، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بمُدٍّ، ويغتسل بصاع([5]).
ومنها: عدم غسل رجليه إذا أدخلهما طاهرتين؛ لقوله لأحد أصحابه لما أراد نزعهما: «دعهما، فقد ادخلتُهما طاهرتين»، كما ورد عن المغيرة بن شعبة-رضي الله عنه- قال: كنتُ مع النبيِّ-صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-في سفَرٍ، فأهويتُ لأنزِعَ خفَّيه، فقال: «دعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهِرَتينِ»، فمسَح عليهما([6])، وهذه الأفعال كثيرة معلومة من قراءة سيرته -عليه الصلاة والسلام-.
وأما تقريره فسكوته عما يفعله بعض الصحابة، وعلى سبيل المثال: قصه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما صلى بالجنود وهو جنب، ولما سأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما فعله أخبره بأنه لم يستطع الغسل بالماء بسبب برودته، واستدل على فعله هذا بقول الله -عز وجل- : ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ (النساء:29)، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم ينكر عليه، فدل ذلك على أن على العبد ألا يعرض نفسه للخطر.
وإلى جانب ما تشتمل عليه السنة من أحكام تكليفية هناك سنن لم يكلف الله بها عباده، كالأوراد والأذكار والفضائل التي يتطوع بها العبد، ويتقرب بها إلى ربه، كالصدقات التطوعية، وحب المساكين، والعطف على الأيتام والمحاويج، فهذه السنن وإن لم تكن تكليفية إلا أنها مما يحبه الله من عباده ، ويحبه رسوله منهم .
فالحاصل -جوابًا للأخ السائل-: أن السنة هي المصدر الثاني للشرع بعد كتاب الله، كما أنها أصل تتفرع منه الفروع، فيما أساسه التكليف بالعمل، أو استحباب هذا العمل . والله – تعالى – أعلم .
[1] معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ص: 61.
[2] رواه البخاري (5143).
[3] رواه البخاري (7080).
[4] رواه مسلم (2742).
[5] أخرجه البخاري (201)، ومسلم (325)، “كانَ النبيُّ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-يَغْسِلُ-أوْ كانَ يَغْتَسِلُ-بالصَّاعِ إلى خَمْسَةِ أمْدَادٍ، ويَتَوَضَّأُ بالـمُدِّ.
[6] رواه البخاري (206)، واللفظ له، ومسلم (274).