سؤال من الأخ ق.ي.من الجزائر، يقول: ما أقل مهر النساء وأكثره في واقعنا؟

ما مقدار مهر النساء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن المهر ما يدفعه الزوج للزوجة التي سيعقد عليها زواجه منها، وليس هناك حد لقلته أو كثرته؛ فالناس يتفاوتون في أحوالهم وعاداتهم وفقرهم وغناهم، والزوجة ووليها لا ينظران إلى قدر المهر ولا إلى قيمته، ولكن ينظران إلى أهلية الزوج وصلاحه والحفاظ على زوجته وإكرامها، فقد زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بآية من القرآن كما في حديث سهل بن سعد الساعدي، قال:

كُنَّا عِنْدَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-جُلُوسًا، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عليه، فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ ورَفَعَهُ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقالَ رَجُلٌ مِن أصْحَابِهِ: زَوِّجْنِيهَا يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: أعِنْدَكَ مِن شيءٍ؟ قالَ: ما عِندِي مِن شيءٍ، قالَ: ولَا خَاتَمٌ مِن حَدِيدٍ؟ قالَ: ولَا خَاتَمٌ مِن حَدِيدٍ، ولَكِنْ أشُقُّ بُرْدَتي هذِه فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ، وآخُذُ النِّصْفَ، قالَ: لَا، هلْ معكَ مِنَ القُرْآنِ شيءٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: اذْهَبْ فقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القُرْآنِ([1])، كما أنَّ امرأةً من فَزَارَةَ جِيَء بها إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قد تزوجتْ على نعليْنِ، فقال لها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أرضيتِ من نفسِكِ ومالِكِ بنعليْنِ؟ قالت: نعم، فأجازَه([2]).

ولما خطب أبو طلحةَ، أمَّ سليمٍ، فقالت: واللهِ ما مِثلُك يا أبا طلحةَ يُرَدُّ، ولكنك رجلٌ كافرٌ، وأنا امرأةٌ مسلمةٌ، ولا يحلُّ لي أن أتزوجَك، فإن تُسْلِمْ فذاك مهري، وما أسألُك غيرَه، فأسلمَ فكان ذلك مهرَها([3]).

وقد جرت العادة في بعض بلاد الغرب والشرق على قلة المهر، والاكتفاء بما هو أقل في قيمته وحتى عدمه، أما في بعض بلاد المسلمين فهناك مغالاة وإسراف وتفاخر بكثرة المهر، وما يلحق به من الإسراف في النفقات، وهذا مما أدى إلى عزوف كثير من شباب الأمة عن الزواج، وترك البعض لبلادهم وسفرهم إلى خارجها والزواج منها.

والتغالي في المهر مما يعد مخالفًا لنظرة الإسلام إلى الزواج بحسبه الركيزة الأولى لتكوين الأسرة، التي تتكون منها الأمة، فأمر بتيسيره وبين أن البركة في هذا التيسير، ففي حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال:” أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَؤُونَةً ” وفي لفظ:” إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً”([4])، وفي لفظ آخر” إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا”([5]).

فهذا يدل على أن عدم اليسر فيه أقل بركة.

والحاصل -جوابًا للأخ السائل- أنه ليس هناك حد للمهر في كثرته وقلته، ولكن الإسلام يحث على تيسيره وعدم المغالاة فيه، وكلما كان المهر قليلًا كانت البركة فيه؛ لأن المغالاة فيه مما يكرهه الإسلام وينهى عنه.

والله -تعالى- أعلم.

 

[1] أخرجه البخاري برقم (5132).

[2] أخرجه الترمذي (1113)، والبزار في ((المسند)) (3815) باختلاف يسير، والبيهقي في ((الكبرى)) (7/239) واللفظ له، ضعفه الألباني في إرواء الغليل، (١٩٢٦).

[3] أخرجه النسائي (3341)، والطبراني (5/91) (4676) باختلاف يسير، وابن حبان (7187) مطولاً، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (3341).

[4] أخرجه أحمد في “مسنده” (24529)، والنسائي في “السنن الكبرى” (9229)، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (16384)، والحاكم في “المستدرك” (2732)، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” (3/186)، ضعف إسناده شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند لشعيب، (٢٤٥٢٩).

[5] أخرجه أحمد في “مسنده” (24478)، وابن حبان كما في “موارد الظمآن” (1256) وحسنه الشيخ الألباني في “إرواء الغليل” (6/238) رقم (1928)، حسنه الألباني في صحيح الجامع، (٢٢٣٥).