سؤال من الأخ … قندوسي من الجزائر عن حكم صيام التطوع صيام التطوع سنة، فمن فعله فله أجر عظيم يدخر له عند الله، ومن تركه فلا إثم عليه؛ لأنه ليس مفروضا عليه، كحال صيام شهر رمضان الذي يعاقب على تركه.

الحث على صيام التطوع

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد حث رسول الله ﷺ على صيام التطوع، ورغب فيه لما سينال فاعله من الأجر والثواب، وهذا الصيام على أنواع عدة؛ فمنه صيام ستة أيام من شهر شوال بعد صيام رمضان، والأصل في ذلك قول رسول الله ﷺ: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر)([1]). يرى الحنفية([2]) والشافعية([3]) صيام هذه الأيام متتابعة بعد عيد الفطر، خلافا للحنابلة الذين يرون جواز صيامها متتابعة وغير متتابعة([4]).

وفي صيام هذه الأيام ذكر يحيى بن يحيى الليثي أنه سمع الإمام مالك يقول: «إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم..»([5]).

قلت: ومراد الإمام مالك الخوف من أن تكون هذه الأيام الستة جزءا من رمضان عند بعض الجهال، وهذا منه رحمه الله مجرد احتمال، والاحتمال قد لا يقع؛ لأن المسلم يعرف أن رمضان شهر واحد لا يلحق به صيام آخر إلا تطوعا، ولا شك أن في صيام هذه الأيام أجرا عظيما حري بالمسلم ألا يفوته هذا الأجر.

ومن صيام التطوع صيام يوم عرفة لقول رسول الله ﷺ: (صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية)([6]). وهذا لغير الحاج؛ أما الحاج فيكره له صيامه لما رواه أبو هريرة أن رسول الله ﷺ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفات([7]). ولما كان رسول الله ﷺ واقفا بعرفة في حجته النبوية اختلف الناس هل كان صائما أم لا، فأرسلت إليه أم الفضل بلبن، فشرب منه وهو يخطب الناس في عرفات([8]).

ويستحب صيام عشر ذي الحجة ويوم عاشوراء؛ لقول أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها-: «أربع لم يكن يدعهن رسول الله ﷺ: صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة»([9]). ولما رواه أيضا معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر)([10]).

وقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه لما صام رسول الله ﷺ هذا اليوم وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال: (إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع)([11]). وفي لفظ آخر قال -عليه الصلاة والسلام-: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)([12]). أي مع اليوم العاشر.

ويستحب أيضا صيام ثلاثة أيام من كل شهر (أيام البيض) لقول أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-: أمرنا رسول الله ﷺ أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال: (هي كصوم الدهر)([13]). وقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام»([14]).

كما يستحب صيام يومي الاثنين والخميس لما رواه أبو هريرة أن رسول الله ﷺ كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس فقيل له في ذلك فقال: (إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول دعهما حتى يصطلحا)([15]). ويستحب أيضا صيام أيام من شهر شعبان، فقد كان رسول الله ﷺ يصوم في هذا الشهر، وفي ذلك روى أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)([16]).

فهذه الأيام التي خصها رسول الله ﷺ بالفضل مما يجدر بالمسلم صيامها، ولكن هذا لا يعني أن يكلف نفسه ما لا تطيق فإن الأجر مع القدرة والاستطاعة، فمن كان لا يستطيع فلا يجب عليه أن يصومها بل لا يجوز له ذلك، فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله ﷺ: (ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار) قال: قلت يا رسول الله، نعم. قال: (فصم وأفطر وصل ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وأن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) قال فشددت فشدد علي، قال: فقلت يا رسول الله إني أجد قوة، قال: (فصم من كل جمعة ثلاثة أيام) قال فشددت فشدد علي، قال فقلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال: (صم صيام نبي الله داود ولا تزد عليه) قال: قلت يا رسول الله، وما كان صيام داود؟ قال: (كان يصوم يوما ويفطر يوما)([17]).

والله -تعالى- أعلم

 

([1]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص124، برقم (1164).

([2]) حاشية ابن عابدين، ج2 ص435.

([3]) روضة الطالبين للنووي، ج2 ص387.

([4])الكافي لابن قدامة، ج2 ص264.

([5]) الموطأ للإمام مالك رواية يحيى الليثي ص211، والمراد بصيام الدهر أن الحسنة بعشر أمثالها فصيام رمضان بعشرة شهور وستة الأيام من شوال بشهرين.

([6]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص122، برقم (1162).

([7]) أخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب في صوم عرفة بعرفة، سنن أبي داود، ج2 ص326، برقم (2440)، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٩٤٥٦).

([8]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، فتح الباري، ج4 ص278، برقم (1988)

([9]) أخرجه النسائي في كتاب الصيام، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، سنن النسائي، ج4 ص220، ضعفه الألباني في إرواء الغليل، (٩٥٤).

([10]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، فتح الباري، ج4 ص287، برقم (2003).

([11]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص75، برقم (1134)، وأخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع، سنن أبي داود، ج2 ص327، برقم (2445).

([12]) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص75، برقم (1134).

([13]) أخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب في صوم الثلاث من كل شهر، سنن أبي داود، ج2 ص328، برقم (2449)، وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند لشعيب، (٢٠٣١٦): حسن لغيره.

([14]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صيام البيض، فتح الباري، ج4 ص266، برقم (1981).

([15]) أخرجه ابن ماجة في الصيام، باب صيام يوم الاثنين والخميس، سنن ابن ماجة، ج2 ص553، برقم (1740)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٤٨٠٤).) • صحيح.

([16]) أخرجه النسائي في كتاب الصيام، باب صوم النبي ﷺ بأبي هو وأمي، سنن النسائي، ج4 ص201، حسنه الألباني في صحيح الجامع، (٣٧١١).

([17]) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم داود عليه السلام، فتح الباري، ج4 ص264، برقم (1979، 1980)، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوت به حقا، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص109-118، برقم (1159)، وأخرجه النسائي في كتاب الصيام واللفظ له، باب صوم يوم وإفطار يوم، سنن النسائي، ج4 ص211.