سؤال من الأخ قاسم الطوهري من المملكة العربية السعودية عن حكم تقديم السعي على الطواف.

حكم تقديم السعي على الطواف.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، أما بعد:

فإن السعي يتبع الطواف في الترتيب ولا يتقدمه، والأصل فيه: قول رسول الله ﷺ: (خذوا عني مناسككم)([1])، وهكذا فعل -عليه الصلاة والسلام- في حجته وعُمَرِه، وفعله أصحابه ومن تبعهم، وعليه جمهور العلماء:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: أن السعي تبع للطواف، وتبع الشيء كاسمه، إلا أنه يجوز بعد وجود أكثره قبل تمامه؛ لأن للأكثر حكم الكل([2]).

وفي مذهب الإمام مالك: أن من شروط جواز السعي أن يتقدمه طواف صحيح([3]).

وقد ذكر الإمام ابن رشد القرطبي:» أن جمهور العلماء اتفقوا على أن السعي إنما يكون بعد الطواف، وأن من سعى قبل أن يطوف بالبيت يرجع فيطوف وإن خرج عن مكة، فإن جهل ذلك حتى أصاب النساء في العمرة أو في الحج كان عليه حج قابل والهدي أو عمرة أخرى« ([4]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: يشترط وقوع السعي بعد طواف صحيح سواء كان طواف القدوم أو الإفاضة([5]).

وفي مذهب الإمام أحمد: يشترط في السعي تقدم الطواف عليه، ولو كان الطواف الذي تقدمه عليه مسنوناً؛ لأن النبي ﷺ إنما سعى بعد الطواف([6]).

قلت: هذا في العموم، أما في يوم النحر، فإن المفرد بالحج أو القارن له مع العمرة إذا لم يسعيا مع طواف القدوم، فإن قدَّم أي منهما في الأفعال التي تفعل في ذلك اليوم، فلا جناح عليه، ويجزئه ما فعل، ومن ذلك تقديم السعي على الطواف – خلافًا للأصل -؛ لأن هذا التقديم يدخل في حكم الرخصة، التي ثبتت عن رسول الله ﷺ فيما رواه أسامة بن شريك قال: خرجت مع النبي ﷺ حاجًّا، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يارسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئًا أو أخرت شيئاً؟ فكان يقول: (لا حرج، لا حرج، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم، وهو ظالم فذلك الذي حَرِجَ وهلك)([7]). وهذا من تيسيره -عليه الصلاة والسلام- لأمته في ذلك اليوم الذي تتزاحم فيه الأفعال يوم النحر من رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي للمتمتع.

وخلاصة ما ذكر: أن من شروط جواز السعي في الحج أو العمرة أن يكون بعد الطواف ما عدا ما إذا كان المفرد أو القارن لم يسعيا مع طواف القدوم فلا جناح عليهما إذا قدَّما السعي قبل طواف الإفاضة.

والله تعالى أعلم.

 

([1]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، صحيح مسلم بشرح النووي ج6 ص3516، برقم (1297).

([2]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني ج2 ص134، والفتاوى الهندية ج1 ص250.

([3]) الذخيرة في فروع المالكية، للقرافي ج3 ص83، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ج1 ص402.

([4]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد ج1 ص346.

([5]) روضة الطالبين للإمام النووي ج3 ص90.

([6]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج٢ ص٤٨٨، والمغني لابن قدامة ج٥ ص ٢٤٠.

([7]) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه، سنن أبي داود ج2 ص166، برقم (2015)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود ج1 ص397، برقم (379): «صحيح».