سؤال من الأخ غ.ي..من الجزائر، يقول: هناك مسألة نود الاستفسار حولها، وهي: هل يجوز لخاطب أن يعقد عقد نكاحه بالوكالة، علمًا أن الخاطب يقيم في فرنسا، وبسبب مجريات (كورونا) وما ترتب عليها من غلق للمطارات فتعذر مجيئه، وذلك لتصبح الفتاة على ذمته كي لا تطول مدة الخطبة؟

الوكالة في الزواج

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فليس من الواضح سؤال الأخ السائل، ولكن يفترض أنه مقيم في فرنسا ويريد أن يعقد زواجه في بلاده ولكنه قد لا يستطيع الانتقال بسبب حال الجائحة، فهل يجوز له ذلك؟

والجواب: أن التوكيل في الزواج جائز مثل التوكيل لأي أمر آخر، كالبيع والشراء والطلاق والهبة والرهن والدعاوى ونحو ذلك، فما جاز للعبد أن يعقده بنفسه يجوز له التوكيل فيه، والأصل فيه فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يزوج بعض الصحابة، ففي حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لرجُلٍ: أترضى أن أزوِّجَكَ فُلانةَ؟ قال: نعم. وقال للمرأةِ: أترضَينَ أن أزوِّجَكِ فلانًا؟ قالت: نعم. فزوَّجَ أحدَهما صاحِبَه، فدخل بها الرَّجُلُ ولم يَفرِضْ لها صَداقًا ولم يُعطِها شَيئًا، وكان ممَّن شَهِدَ الحُديبِيَةَ، وكان مَن شَهِدَ الحُدَيبيَةَ له سَهمٌ بخَيبرَ، فلما حضَرَتْه الوفاةُ قال: إنَّ رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- زوَّجَني فلانةَ ولم أفرِضْ لها صَداقًا، ولم أُعطِها شَيئًا، وإنِّي أُشهِدُكم أنِّي أعطيتُها مِن صَداقِها سَهمي بخَيبرَ، فأخَذَتْ سَهمًا فباعَتْه بمائةِ ألفٍ([1]). ففي هذا دلالة على جواز الوكالة، وقد درج السلف والخلف على ذلك.

ويشترط في الوكيل أن يكون ممن تصح وكالته وهو كمال أهليته، أما من لم تكن له هذه الأهلية فيزوجه وليه أو وصيه، واختلف الفقهاء -رحمهم الله- في مسألة توكيل المرأة، فالإمام أبو حنيفة يرى أن لها الحق مثل الرجل، فإذا كانت بالغة عاقلة حق لها للتوكيل لتزويج نفسها([2]). أما جمهور العلماء فيرون أن لوليها الحق أن يعقد عليها من غير توكيل منها له، ولكن عليه أخذ رضاها([3]).

فينبني على هذا أن الأخ في السؤال إذا كان في مكان ما، وأراد أن يوكل أباه أو أخاه أو أي شخص، بأن يعقد له النكاح في بلاده فهذا جائز، ولكن يفترض أن تكون الوكالة إما مطلقة أي يعقد له على ما يراه، أو تكون الوكالة مقيدة بحيث يحدد فيها الموكل للوكيل زوجة معينة.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه أبوداود برقم (2117)، صححه الألباني في إرواء الغليل، (١٩٤٠).

[2] – بدائع الصنائع للكاساني 2/ 231.

[3] – الشرح الصغير 2 / 335،، 369، وشرح الزرقاني 3 / 168، ومغني المحتاج 3 / 147، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 13.