الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر السؤال عن تعاطي التبغ بأنواعه مما يدخل دخانه إلى جوف العبد، والمراد بالسؤال حكم هذه المعاطاة.
فالأصل في أي طعام أو شراب أو نحوه يصل إلى جوف العبد معرفة مدى حِلِّ هذا من عدمه؛ لأن الأصل عدم إيذاء الإنسان لنفسه؛ لكونها ليست ملكًا له، بل هي ملك لله -عز وجل- الذي خلقها وسواها، وحدد لها ما يحل لها، وما يحرم عليها، وفي هذا قال-جل في علاه-: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195)، والمراد أن كل وسيلة تؤدي إلى ضرر النفس منهيٌّ عنها، بل محرمة، وسواء كان إيذاؤها إيذاءً ماديًّا-بمعنى قتلها كاعتداء العبد على نفسه عامدًا متعمدًا-أم كان إيذاؤه لها بطعام أو دواء أو شراب، والأمثلة في ذلك كثيـرة، فلو شرب العبد ماءً حارًّا يسبب له ضررًا فهذا الشراب محرم، ولو اغتسل بماء بارد يعرضه للخطر أصبح غسله محرمًا؛ ولهذا لما سأل أحد الأفراد-وهو في الغزو -أصـحابه عن الغسل من الجنابة بماء بارد، وأجابوه بأنه لا عذر له، اغتسل، فمات، فلما علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك قال: «قَتَلوه، قَتَلَهمُ اللهُ، ألَا سألوا إذْ لم يَعلَموا؟؛ فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كان يَكفيه أنْ يَتيَمَّمَ، ويَعصِرَ، أو يَعصِبَ -شَكَّ موسى- على جُرحِه خِرقةً، ثم يَمسَحَ عليها، ويَغسِلَ سائِرَ جَسَدِه»([1]).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ عن تعاطي التدخين بالتبغ فكما هو معلوم أن الدخان يدخل إلى جوف العبد، وقد ثبت في الدراسات الطبية أن هذا الدخان يؤثر في الرئة، ويسبب ضررًا بالغًا، وقد جرى إلزام الشركات التـي تنتج هذا التبغ وتصنعه أن تكتب تحذيرًا على العلب التـي يحفظ فيها، مفاده أنه يسبب ضررًا لمتعاطيه، وبهذا تتحلل هذه الشركات من المسؤولية، وتضعها على المتعاطي، فأصبح من المعلوم أن تعاطيه مما يضر بالنفس، فمن يقدم على هذا الضرر أو يتساهل فيه يعد آثمًا؛ لأنه لم ينته عما نهى الله عنه، وهو عدم الإضرار بالنفس. والله -تعالى- أعلم.
[1] -أخرجه أبو داود (336)، واللفظ له، والدارقطني (1/189)، والبيهقي (1115)، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، (٤٠٧٤).