الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد،
فالعقيقة سنة مؤكدة وقال الليث بن سعد والظاهرية بوجوبها([1])، وقد عق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين عن الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وتتابع المسلمون في مختلف عصورهم على ذبح العقيقة في اليوم السابع من ولادة المولود أو اليوم الرابع عشر أو الرابع والعشرين، وفيما بعده حسبما يتيسر للعبد.
أما الأضحية كسنة مؤكدة أيضا، فقد ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن آله وأمته وتتابع المسلمون في عصورهم على اتباع هذه السنة؛ اتباعا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد اختلف الفقهاء -رحمهم الله- فيما إذا كانت الأضحية تجزئ عن العقيقة على قولين:
القول الأول: أن الأضحية تجزئ عن العقيقة: هو مذهب الحنفية([2])، ورواية عن الإمام أحمد([3])، وبه قال عدد من أهل العلم ومنهم الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتـادة رحمهم الله([4])، وحجة أصحاب هذا القول أن الأضحية والعقيقة قربة إلى الله، وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فقال: “لو اجتمع أضحية وعقيقة كفى واحدة صاحب البيت، عازم على التضحية عن نفسه فيذبح هذه أضحية وتدخل فيها العقيقة بالذبح فدخلت إحداهما في الأخرى”([5]).
القول الثاني: ذهب المالكية([6])، والشافعية([7])، ورواية عن الإمام أحمد([8])، أن الأضحية لا تجزئ عن العقيقة، وحجة أصحاب هذا القول: أن كلا من الأضحية والعقيقة مقصود لذاته، فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى، لأنَّهما يُذبَحانِ بسَببَينِ مُختلِفَينِ؛ فلا يَقومُ الذَّبحُ الواحدُ عنهما، كدَمِ المُتعةِ ودَمِ الفِدْيةِ([9]).
قلت: ولعل الصواب -والله أعلم- أن العقيقة تقدم على الأضحية لعدة أسباب منها: أن العقيقة مرة واحدة في العمر بينما الأضحية تتكرر والعقيقة للعبد وحده أما الأضحية للحي والميت،إضافة إلى أن للعقيقة خصائصها، والأضحية كذلك لها خصائصها، مما ينبغي من التفريق بينهما.
والحاصل: أن للأخ السائل الخيار إما أن يأخذ بالقول الأول أن الأضحية تجزئ عن العقيقة أو أن يأخذ بالرأي الثاني وهو أن الأضحية لا تجزئ عن العقيقة، وهو ما أرى أنه الأقرب للثواب.
والله تعالى أعلم.
[1] – ينظر: تحفة المولود لابن القيم ص 53-54 والمُحَلَّى لابن حزم 6/234.
[2] – بدائع الصنائع للكاساني ج 5 ص59
[3] – كشاف القناع ج 3س 30
[4] “المصنف لابن أبي شيبة” (5/534).
[5] فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 6/159.
[6] – مواهب الجليل للحطاب ج 3 ص 259.
[7] – تحفة المحتاج شرح المنهاج للهيتمي ج 9ص371.
[8] – شرح منتهى الإرادات للبهوتي ج 1ص 617، والفروع لابن مفلح 6/112، والإنصاف للمَرْداوي (4/81)، ويُنظر: تحفة المودود لابن القيِّم ص: 87.
[9] تحفة المودود لابن القيِّمِ ص 87.