سؤال من الأخ: ع. ه. من تونس، يقول: هل يجوز للمسلم أن يشارك في جنازة غير مسلم؟

المشاركة في جنازة غير المسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وآله وصحابته ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر السؤال عن جواز المشاركة في جنازة غير المسلم أو عدم جوازها.

والجواب عن هذا فيه تفصيل من وجهين:

الأول: إن كان غير المسلم يعيش بين ظهراني المسلمين، وتوفي ولم يكن له ولي يتولى جنازته ودفنه فالواجب حينئذ أن يتولى المسلمون أمره؛ لأنه نفس من خلق الله، وهو من أهل الذمة يعيش في أمانهم في حياته، فينبغي أن يكون هذا الأمان بعد مماته، وأمره إلى الله فهو أعلم بحال خلقه، فيجازي كل عامل بعمله، ومن حق العبد أيًّا كان دينه أن يوارى في التراب بعد مماته، فالواجب على المسلمين هنا تولي جنازته.

الوجه الثاني: إن كان للمسلم قرابة مع غير المسلم جاز له المشاركة في جنازته. والأصل فيه حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: ((نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ))([1]).

وإن كان غير المسلم جارًا للمسلم أو كان بينه وبينه تعامل مشروع جازت المشاركة في جنازته؛ فالجار له حق الجوار ولو كان غير مسلم، والأصل فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنه سيورِّثُه))([2])، والمراد في ظاهر الحديث الجار المسلم، ولكن اللفظ يشتمل غير المسلم، والأصل في كل هذا قول الله –تعالى-: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9].

فهاتان الآيتان تحكمان حالتان:

الأولى: الذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يعملوا على إخراجهم من ديارهم، فهؤلاء مما يجوز برهم والعدل فيهم ومنهم من له عهد وأمان.

الحالة الثانية: النهي عن موالاة الذين قاتلوا المسلمين في دينهم أو أخرجوهم من ديارهم، أو عملوا مباشرة أو غير مباشرة على إخراجهم من ديارهم، فهؤلاء لا يجوز برهم، ومن ذلك عدم المشاركة في جنائزهم.

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ فلا حرج -إن شاء الله- في المشاركة في جنازة غير المسلم -قريبًا أو جارًا- إن كان بينه وبينهما تعامل مشروع، والمراد بالمشاركة تعزيتهم في ميتهم، وتسليتهم في مصائبهم؛ مما يشعرهم أن دين الإسلام دين أمن وتسامح وتأليف للقلوب.

والله -تعالى- أعلم.

 

([1]) أخرجه البخاري، كتاب: الهبة وفضلها، باب: الهدية للمشركين، برقم: (2620)، (3/١٦٤)، ومسلم، كتاب: الزكاة، برقم: (1003)، (3/81).

([2]) أخرجه البخاري، كتاب: الأدب، باب: الوصاة بالجار، برقم: (6015)، (8/10)، ومسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، برقم: (2625)، (8/37).