الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالجواب: إن إنجاب الذرية قدر من أقدار الله، وسنة من سننه، وحكمة من حكمه، والعبد لا يملك إلا أن يسلم بهذا ويؤمن بهذا، فالتزاوج من آيات الله العظيمة التي ذكر عباده بها، فقال جل في علاه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).
فهذه الآية من آيات الله العظام والتفكير فيها، لا يكون إلا من أولي الألباب الذين يدركون معنى هذه الآية، وما فيها من سنن الله وقدره في مخلوقاته.
ولأهمية هذا الخلق وما فيه من الفوائد والمنافع لأصحابه، بسط عز وجل أحكام هذا الزواج وقواعده في النكاح والطلاق والحلال والحرام، والمعنى أن إنجاب الذرية لازم للإنسان، ولا خيار له فيه، فوقفه بغير سبب مشروع يصادم قدر الله وسننه في خلقه.
هذا في عموم المسألة بإيجاز أما عن سؤال الأخ الشيخ عما إذا كان يجوز وقف الإنجاب خشية تحول أطفال المسلمين الذين يعيشون في بلاد أجنبية من دينهم، فهذه الخشية من التشاؤم والتطير الذي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه بقوله: ” لا عَدوى، ولا طيَرةَ”([1])، وكانَ -عليه الصلاة والسلام- يعجبُهُ الفَألُ الحسَنُ، ويَكْرَهُ الطِّيرةَ ([2]).
كما أن هذه الخشية تصادم لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالزواج والإنجاب في عدة أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام: (تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ)([3]).
والإشارة للخشية التي وردت في السؤال لها علاج واحد هو تربية النشء على دين الله، والذهاب بهم إلى المساجد وقراءة القرآن، فإذا أنشئوا عليه أصبحوا في حصانة لا يمكن أن يتحلوا أو يبدلوا:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وإن التربية العلمية المبنية على الدين والأخلاق، تزيل المخاوف لدى بعض المسلمين الذين يعيشون في البلاد غير الإسلامية من تحول أطفالهم عن دينهم.
هذا في عموم المسألة: أما عن السؤال فلا يجوز وقف الإنجاب بسبب هذه المخاوف والتطير، فدين الله سيظل بإذن الله عزيزا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأنه الدين الحق الذي ختم الله به، وفيه كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه-: “لَيَبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ، ولا يَترُكُ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ، يُعَزُّ به الإسلامُ، وبذُلِّ ذليلٍ يُذَلُّ به الكُفرُ”([4]).
والله تعالى أعلم.
[1] صحيح سنن أبي داود للألباني (3911).
[2] -أخرجه ابن ماجه برقم: (3536) واللفظ له، والإمام أحمد في مسنده برقم: (8393)، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٧٠٨٣).
[3] -أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (13594)، والطبراني في (المعجم الأوسط) برقم: (5099) واللفظ لهما، وابن حبان برقم: (4028) باختلاف يسير، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود:” حسن صحيح” رقمه (2050)..
[4] تخريج مشكل الآثار لشعيب الأرناؤوط قال: صحيح على شرط مسلم (6155).