سؤال من الأخ ع… ك من الجزائر عن حكم المسح على الحذاء إذا كان لبسه على طهارة.

حكم المسح على الحذاء.

والجواب: الحذاء في اللغة النعل، وما يطأ عليه البعير من خفه، أو الفرس من حافره([1]). والنعل في اللغة الدارجة في بعض الأقطار العربية هو ما يلبس في الغالب في أيام الصيف خاصة في البلاد الحارة، وهو يكشف غالب أجزاء الرجل. فإن كان مقصود الأخ السائل أن النعل هو بهذه الصفة فلا يجوز المسح عليه، لكونه:

أولًا: غير ساتر للرجل وهو الأصل في المنع.

وثانيًا: أن نزعه مما لا يشق، فلا يجوز المسح عليه إذا قيل بأن من أسباب العلة في المسح مشقة النزع.

أما إن كان الأخ السائل يقصد الخف والجورب فهذان يجوز المسح عليهما، والأصل في ذلك الكتاب والسنة.

أما الكتاب: فقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}([2]). ففي قول الله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} قراءتان: قراءة بالنصب {وَأَرْجُلَكُمْ} وبهذه القراءة يجب غسل الرجلين دون مسحهما، وهذا هو مذهب الجمهور وعامة العلماء في الأمصار. والأساس في ذلك ما ثبت من فعل رسول الله ﷺ حين رأى قومًا يتوضؤون وأعقابهم تلوح فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء)([3]). ناهيك بأن قول الله تعالى{إِلَى الْكَعْبَينِ} يدل حكمًا على وجوب غسلهما.

ومن قرأ الآية بالكسر {وأرجُلِكُم} قال بالمسح عطفًا على مسح الرأس، وهو قول الشيعة، ولم يوافقهم عليه أحد سوى الطبري. وقيل إن لفظ المسح مشترك يطلق بمعنى المسح، ويطلق بمعنى الغسل لأن المسح في كلام العرب يكون غسلًا([4]).

وعلى هذا فالأرجل تغسل حين تكون مكشوفة، وهو الأصل في قول الله تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب وبالعطف على{وُجُوهَكُمْ}، والأرجل تمسح حين تكون في الأخفاف أو الجوارب، وهو الأصل في قول الله تعالى{وَأَرْجُلَكُمْ} بالكسر فتكون معطوفة على {رُؤُوسِكُمْ}.

أما السنة: في جواز المسح على الخفين فالأحاديث كثيرة، فقد روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ مسح على الخفين([5]).

وروى أبو داود في سننه عن جرير بن عبد الله أنه توضأ ومسح على الخفين فقيل له: أتفعل هذا؟ قال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله ﷺ يمسح، فقيل له: قبل نزول سورة المائدة أو بعده؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة([6]). وفي رواية المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله ﷺ يقضي حاجته ثم يتوضأ ويمسح على خفيه قال إبراهيم النخعي: فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة([7]). وقد روي عن الإمام أحمد قوله: ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثًا عن أصحاب رسول الله ﷺ ما رفعوا إلى النبي وما وقفوا([8]). كما روي عنه -رحمه الله- أنه قال: المسح أفضل يعني من الغسل؛ لأن النبي ﷺ وأصحابه إنما طلبوا الفضل، وهذا مذهب الشافعي والحكم وإسحاق؛ لأنه روي عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصته). وما خُيِّر عليه الصلاة والسلام بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا.([9])

ويشترط في المسح على الخفين الشروط التالية:

الأول: أن يكون لبسهما على طهارة كاملة، لما رواه المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي ﷺ في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما([10]).

الشرط الثاني: أن يكون الخف ثابتًا فلا يجوز المسح على ما يسقط من الرجل.

الشرط الثالث: أن يكون مباحًا وحلالًا فلا يجوز المسح على المغصوب أو الحرير.

الشرط الرابع: أن يكون الخف طاهرًا في ذاته فإن كان فيه نجاسة لم يصح المسح عليه.

الشرط الخامس: أن يكون المسح على الخف من الحدث الأصغر أي البول والغائط والنوم، ولا يجوز المسح في الحدث الأكبر أي الجنابة أو ما يوجب الغسل، لما رواه صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله ﷺ ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم([11]).

الشرط السادس: أن يكون مسح الخف في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم في الحضر، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لما رواه خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- أنه ﷺ سئل عن المسح على الخفين فقال: (للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن)([12]).

الشرط السابع: أن يكون الخف ساترًا للقدم ويعفى عن الخرق الصغير فيه.

وحكم الجورب حكم الخف في المسح، وصفة الجورب تختلف من بلد إلى آخر حسب العادة، فقد يسمى (شرابًا) وقد يكون له هذه الصفة بمسمى آخر، فالمهم أن يكون ساترًا للرجل.

وخلاصة المسألة: جواز المسح على الخف، والأصل في ذلك الكتاب والسنة، ويشترط للمسح أن يكون لبسه على طهارة، وأن يكون ثابتًا، وأن يكون مباحًا وطاهرًا، وأن يكون المسح عليه

 

من الحدث الأصغر (البول والغائط والنوم). أما في حال الحدث الأكبر كالجنابة، فلا يجوز المسح عليه. كما يشترط في المسح أن يكون في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، كما يشترط فيه أن يكون ساترًا لمحل الغرض.

ويدخل في حكم الخف الجورب، ويشترط فيه ما يشترط في الخف.

 

([1]) المعجم الوسيط، ج1 ص163.

([2]) سورة المائدة من الآية 6.

([3]) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص38-39، برقم (241)

([4]) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي، ج6 ص91-93.

([5]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب المسح على الخفين، فتح الباري، ج1 ص365، برقم (202).

([6]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، سنن أبي داود، ج1 ص39، برقم (154)، حسنه الألباني في صحيح أبي داود، (١٥٤).

([7]) المغني، ج1 ص360، والحديث أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب المسح على الخفين، فتح الباري، ج1 ص367، برقم (203)، وأخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، سنن أبي داود، ج1 ص37-39، برقم (149، 150، 151).

([8]) المغني، ج1 ص360.

([9]) (4) المغني لابن قدامة، ج1 ص359-361، وحديث (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه)، أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص61، برقم (1115)، وحديث (ما خير رسول الله ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما)، أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب صفة النبي ﷺ، فتح الباري، ج6 ص654، برقم (3560).

([10]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، فتح الباري، ج1 ص370، برقم (206).

الطهارة، باب التوقيت في المسح، سنن أبي داود، ج1 ص40، برقم (157).

([11]) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، سنن الترمذي، ج1 ص159، برقم (96)، قال الترمذي في سننه، (٩٦): حسن صحيح.

([12]) أخرجه مسلم (٢٧٦)، أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، سنن الترمذي، ج1 ص158، برقم (95)، وأخرجه أبو داود في كتاب