سؤال من الأخ ع… كمال من الجزائر عما إذا كان رسم خط للسترة من السنة. وهل يجوز الدنو منها إذا كانت تبعد عن المصلي حوالي خمسة أمتار؟ وسؤال من الأخ ب… لخضر من الجزائر يقول فيه: إن كثيرًا من المصلين يتشددون في أمر السترة، حتى إنهم ينتظرون وجود سترة فيما إذا كانوا في مسجد ولم يجدوا عمودًا خاليًا، وينكرون على من لا يصلي إلى سترة، وبعضهم يتساهل فيها فما الحكم؟ وهل الخط يقوم مقام السترة عند عدمها؟.

حكم السترة أمام المصلي والتكلف في طلبها

الجواب: إن من السنة إيجاد سترة أمام المصلي إذا كان إمامًا أو منفردًا، أما المأموم فلا سترة له وتكفيه سترة إمامه. والأصل في السترة قول رسول الله ﷺ: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها)([1]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم)([2]). وفي حديث آخر: (إن من لم يجد فليخط خطًا)([3]). وفي حديث آخر: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين)([4]). وكان رسول الله ﷺ يضع السترة أمامه فيما رواه ابن عمر أن رسول الله ﷺ إذا خرج للصلاة يوم العيد، أمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر([5]).

وتصح السترة بكل ما يضعه المصلي أمامه من خشبة أو عصا أو شجرة أو نحو ذلك، وتسن ولو لم يخش المصلي مارًا يمر أمامه. وعليه أن يدنو منها فلا تكون بعيدة عنه([6])، كخمسة أمتار -كما في السؤال- بل تكون قريبة من المصلي بما يمكِّنه من السجود، وقد روى سهل بن سعد أنه كان بين مصلى رسول الله ﷺ ممر لشاة([7]).

ورغم أهمية السترة للمصلي إلا أنه لا يجب التكلف في طلبها، فإن تمكن منها استتر بها، وإن لم يتمكن منها إلا بتكلف صلى بدونها، كما لو كان في المسجد فرش، وتعذر على المصلي خاصة المنفرد إيجاد سترة، وتعذر عليه خط خط. أما الإمام فالغالب الأعم أنه يصلي في المحراب وهذا ساتر له وللمأمومين.

ولا يجوز المرور بين يدي المصلي، إذا كان له سترة يستتر بها، لما روي أن رسول الله ﷺ قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه)([8]).

وللمستتر بسترة أن يدفع من يمر بين يديه للحديث المتقدم ذكره: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين). وفي ذلك روى حميد بن هلال قال: بينما أنا وصاحب لي نتذاكر حديثًا إذ قال أبو صالح السمان: أنا أحدثك ما سمعت عن أبي سعيد ورأيت منه، قال: بينما أنا مع أبي سعيد الخدري، نصلي يوم الجمعة إلى شيء يستره من الناس، إذ دخل شاب أراد أن يجتاز بين يديه، فدفعه في نحره فنظر فلم يجد مساغًا إلا بين يدي أبي سعيد، فعاد ليجتاز فدفعه في نحره أشد من الدفعة الأولى، فمثل قائمًا ونال من أبي سعيد، ثم تزاحم الناس فدخل على مروان فشكا إليه ما لقي ودخل أبو سعيد على مروان فقال: مالك ولابن أخيك جاء يشكوك؟ فقال أبو سعيد: سمعت النبي ﷺ يقول: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)([9]).

أما إذا كان المصلي لا يستتر بسترة، فلا يكون دفع المار بين يديه جائزًا، خاصة أن منع هذا المار قد يكون متعذرًا، كما لو كان المسجد يضم جمعًا كثيرًا من الناس كحال الحرم، إذ لا يمكن لأي مصلٍّ أن يمنع من يمر بين يديه لكثرة الزحام.

وقد أشار الشيخ الألباني -رحمه الله- إلى أحاديث السترة وإثم من يمر بين يدي المصلي، ثم قال: )والحديثان لا يختصان بمسجد دون مسجد ولا بمكان دون مكان، فهما يشملان المسجد الحرام والمسجد النبوي من باب أولى؛ لأن هذه الأحاديث إنما قالها ﷺ في مسجده فهو المراد بها أصالة، والمساجد الأخرى تبع. والأثران المذكوران نصان صريحان على أن المسجد الحرام داخل في تلك الأحاديث، فما يقال من بعض المطوفين وغيرهم أن المسجد المكي والمسجد النبوي مستثنيان من النهي لا أصل له في السنة، ولا عن أحد من الصحابة، اللهم سوى حديث واحد روي في المسجد المكي لا يصح إسناده ولا دلالة فيه على الدعوى)([10]).

قلت: إن القول بوجوب السترة للمصلي في الحرمين المكي والمدني أمر غير ممكن عملًا؛ فالمصلون في المسجد الحرام في أيام الحج وأيام شهر رمضان، قد يبلغون أكثر من مليون حاج أو معتمر في وقت واحد، حتى إن المصلي قد لا يتمكن من الركوع أو السجود خلال تلك الأيام إلا بمشقة؛ فلو قيل بوجوب السترة للمصلي -كما يقوله الشيخ الألباني- لكان ذلك مستحيلًا؛ إذ لا يستطيع أحد أن يقول إن على الحاج أو المعتمر خلال تلك الأيام -أو حتى طيلة أيام السنة- أن يجعل له في الحرم سترة، وحتى لو قيل بوجوب السترة مع أنها سنة لسقط هذا الواجب؛ لأن المكلف مستثنى من التكليف إذا عجز عنه، عملًا بقول الله عزوجل: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}([11]). وقوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}([12]). وقد ثبت أن ابن الزبير -رضي الله عنهما- وغيره من الصحابة كانوا يصلون والناس يطوفون أمامهم. وهذا كان في وقت كان الزحام في الحرم قليلًا فما بالك به في هذا الزمان.

 

([1]) أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ادرأ ما استطعت، سنن ابن ماجة، ج1 ص307، برقم (954)، قال الألباني في صحيح أبي داود، (٦٩٨): حسن صحيح .

([2]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج3 ص404، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند، (١٥٣٤٠): إسناده حسن.

([3]) أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يستر المصلي، سنن ابن ماجة، ج1 ص303، برقم (943)، قال ابن عثيمين في مجموع الفتاوى، (٣١٧/١٣): إسناده حسن.

([4]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص398، برقم (506).

([5]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص392، برقم (501).

([6]) انظر: شرح فتح القدير لكمال بن الهمام، ج1 ص406-407، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار، ج1 ص268-269، وحاشية الدسوقي، ج1 ص245، ومغني المحتاج لمحمد الشربيني الخطيب، ج1 ص200-201، وكشاف القناع للبهوتي، ج1 ص382-383، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي، ج1 ص202-203.

([7]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة؟ فتح الباري، ج1 ص684، برقم (496).

([8]) أخرجه مسلم في كتاب الصالة، باب منع المار بين يدي المصلي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص398، برقم (507).

([9]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب يَرُدُّ المصلِّي من مرَّ بين يديه، فتح الباري، ج1 ص693، برقم (509)، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص398، برقم (505).

([10]) حجة النبي ﷺ كما رواها عنه جابر -رضي الله عنه- للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ص22-23

([11]) سورة البقرة من الآية 286.

([12])سورة التغابن من الآية 16.