سؤال من الأخ ع… ك، والأخ برحمة… من الجزائر عما إذا كان غسل أعضاء الوضوء مرة واحدة من السُّنة.

عدد غسل أعضاء الوضوء.

والجواب: أن الله عز وجل أمر بغسل أعضاء الوضوء في قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}([1]). وكما كان هذا الأمر على وجه الإجمال بيّنه رسول الله ﷺ في حالات ثلاث:

 الحالة الأولى: أنه توضأ مرة مرة، أي غسل كل عضو مرة واحدة، وذلك فيما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ توضأ مرة مرة([2]).

الحالة الثانية: أنه توضأ مرتين مرتين، أي غسل كل عضو مرتين اثنتين، وذلك فيما رواه عبدالله بن زيد أن النبي ﷺ توضأ مرتين مرتين أي غسل كل عضو مرتين مرتين([3]).

الحالة الثالثة: أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، أي غسل كل عضو ثلاثًا، وذلك فيما رواه حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله ﷺ: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)([4]).

وينبني على ذلك أن الواجب في الوضوء هو غسل الأعضاء مرة مرة مع الإسباغ، وهذا فرض وليس بسنة، أما غسل الأعضاء مرتين مرتين أو ثلاثًا ثلاثًا فهو لزيادة الأجر، لما روي عن رسول الله ﷺ أنه لما توضأ مرتين قال: (هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر)([5]). وقوله عليه الصلاة والسلام لما توضأ ثلاثًا: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء أبي إبراهيم)([6]). فتبين من هذا أنه عليه الصلاة والسلام جعل الغسل مرة واحدة هو الفرض، وما زاد عليها فحكمه حكم الفضل (أي مرتين أو ثلاثًا). أما الزيادة على الثلاث فغير جائزة، لما روي أن إعرابيًا جاء إلى النبي ﷺ فسأله عن الوضوء فأراه ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: (هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم)([7]).

وروي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى. وقال ابن المبارك: لا آمن إن زاد على الثلاث أن يأثم. وقال إبراهيم النخعي: تشديد الوضوء من الشيطان، ولو كان هذا فضلًا لأُوثر به أصحاب رسول الله ﷺ([8]).

وإن غسل المتوضئ بعض أعضائه ثلاثًا وبعضها مرتين فجائز، لحديث عبد الله بن زيد أن النبي ﷺ توضأ فغسل وجهه ثلاثًا وغسل يديه مرتين ومسح برأسه مرة واحدة([9]).

قلت: ومن المهم في غسل أعضاء الوضوء وجوب مراعاة الأحكام التالية: الأول: أن غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، وغسل الرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس فرض؛ لا يصح الوضوء إلا بكمال هذا الغسل.

الثاني: أن المضمضة والاستنشاق والاستنثار سنة مؤكدة.

الثالث: أن غسل اليدين إلى المرفقين يدخل فيه المرفقان؛ لأن (إلى) تشمل ما بعدها.

الرابع: أن غسل الرجلين يدخل فيه الكعبان.

الخامس: أن مسح الرأس مرة واحدة؛ لأن الأحاديث التي وردت عن رسول الله ﷺ تدل على أن الرأس يمسح مرة واحدة([10]). كما قال ابن المنذر أن الثابت عنه عليه الصلاة والسلام يدل على أن المسح مرة واحدة؛ لأنه مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ([11]). وأكثر الفقهاء على هذا القول، وخالف في ذلك الإمام الشافعي في حين ذهب إلى أن من توضأ ثلاثًا ثلاثًا يمسح رأسه أيضًا ثلاثًا([12]).

 وخلاصة المسألة: أن غسل أعضاء الوضوء مرة مرة فرض، وليس بسنة. أما غسلها مرتين مرتين أو ثلاثًا ثلاثًا فهو لزيادة الأجر والفضيلة، ولا تجوز الزيادة على الثلاث. كما أن غسل اليدين يدخل فيه المرفقان وغسل الرجلين يدخل فيه الكعبان، وهذه هي فروض الوضوء، أما المضمضة والاستنشاق فهما سنة مؤكدة.

والله تعالى أعلم.

 

([1]) سورة المائدة من الآية 6.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب الوضوء مرة مرة، فتح الباري، ج1 ص311، برقم (157).

([3]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب الوضوء مرتين مرتين، فتح الباري، ج1 ص311، برقم (158).

([4]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، فتح الباري، ج1 ص311-312، برقم (159).

([5]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، سنن ابن ماجة، ج1 ص145-146، برقم (420)، قال الألباني في إرواء الغليل، (١/١٣٤): إسناده ضعيف.

([6]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، سنن ابن ماجة، ج1 ص145، برقم (419)، قال الألباني في ضعيف ابن ماجه، (٨٦): ضعيف.

([7]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه، سنن ابن ماجة، ج1 ص146، برقم (422)، حسنه الألباني في صحيح الجامع، (٦٩٨٩).

([8]) المغني للإمام ابن قدامة، ج1 ص194.

([9]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب مسح الرأس كله، فتح الباري، ج1 ص347، برقم (185).

([10]) فتح الباري، ج1 ص347.

([11]) فتح الباري، ج1 ص312.

([12]) فتح الباري، ج1 ص312.