الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخ عبد الله من جمهورية النيجر، أن الإمام في مسجدهم يدعو بشكل جماعي بعد كل صلاة.
والجواب أن الواجب على المسلم الاتباع وليس الابتداع، والمعنى أن المسلم يتبع ما جاء في كتاب ربه، وما جاء على لسان نبيه ورسوله؛ ففي كتاب الله قال -جل في علاه-: ” مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ”(الأنعام:38)، وقوله -عز ذكره-: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”(المائدة:3)، وأما السنة فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: ” تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ”([1]) وقوله -عليه الصلاة والسلام- :” عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ”([2]) وقوله صلى الله عليه وسلم: ” مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ”([3]).
من هنا أصبح الواجب على المسلم اتباع ما ورد في كتاب الله، وسنة رسوله، وسنة خلفائه وصحابته، والسلف الصالح من الأمة فلا يبتدع بدعًا من قول أو فعل؛ لأن ذلك ضلالة وبعد عن الله وما أنزله على عباده.
هذا في عموم المسألة، أما ما ذكره الأخ السائل عن الدعاء الجماعي في مسجدهم فهذا ليس له أصل، فلم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن خلفائه أو صحابته أو سلف الأمة.
بلى: يجوز للمصلين أو بعضهم بعد انتهاء الصلاة أن يجتمعوا في ركن من المسجد يتدارسون القرآن ويتفكرون ما فيه من الآيات، فإن كان أحدهم يعرف تفسير القرآن فسره لهم، وإن كان يعرف الأحاديث قرأ عليهم ما فيه موعظتهم، وفي هذا لهم أجر كبير؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- : ” ما اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيوتِ اللهِ تَعالى، يَتلُونَ كِتابَ اللهِ، ويَتَدارَسونَه بَينَهم؛ إلَّا نَزَلتْ عليهمُ السَّكينةُ، وغَشيَتْهمُ الرَّحمةُ، وحَفَّتْهمُ المَلائِكةُ، وذَكَرَهمُ اللهُ فيمَن عِندَه”([4]).
أما الدعاء الجماعي بعد كل صلاة فلا أعلم له أصلًا، بل هو من المبتدعات، ولعل إمام المسجد وإخوانه يسألون الدعاة الصالحين ليشرحوا لهم ويرشدوهم إلى ما فيه صلاح دينهم.
والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (17144) باختلاف يسير، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(4607).
[2] أخرجه مطولاً أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (44)، وأحمد (17144) باختلاف يسير، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2305) واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(4607).
[3] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
[4] أخرجه مسلم (2699)، وابن ماجه (225)، وأحمد (7427) مطولاً، وأبو داود (1455) واللفظ له.