سؤال من الأخ ع. ت. من ليبيا يقول: قدمت طلبًا للمحكمة؛ طلبًا للتعويض عن أضرار في منزلي من الحرب في ليبيا… وحصلت على التعويض المادي، والحقيقة لم يكن هناك أضرار في المنزل، هل يجوز أخذ المبلغ؛ لأن حالتي المادية تحت خط الفقر؟

حكم الحصول على تعويض مادي من الحكومة بدون استحقاق له

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الصدق في المعاملة من صفات المسلم، قال الله -جل في علاه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩]، وأثنى على الصادقين من عباده، ووعد بجزائهم في قوله -عز ذكره-: {لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} [الأحزاب: ٢٤]، وبيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منزلة الصدق وما يؤدي إليه من البر والتقوى، بقوله: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)([1])، وبين -عليه الصلاة والسلام- منزلة الصدق ومنزلة الكذب بقوله ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)([2]).

فالعبد في سلوكه يتنازعه أمران في علاقته مع ربه وفي علاقته مع عباده.

أما علاقته مع ربه: فواضحة فيما جاءت به البينات، من وجوب الصدق مع الله في المعاملة؛ لأنه يعلم السر وأخفى، فلا تخفى عليه خافية، فيجزي الصادق من عباده جزاء صدقه، كما أمره به في الآية المشار إليها.

وأما علاقة العبد بعباده: فواضحة أيضًا، في أنه يجب أن يحب لأخيه مثل ما يحب لنفسه؛ فلا يظلمه ولا يأكل ماله بالباطل ولا يبخسه ماله من حق، والأصل في هذا قول الله – تعالى-: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٨٨]، وقوله -تقدس اسمه-: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: ٨٥]، فهذا كله يدخل في وجوب الصدق مع الله ومع عباده، وهاجس الأخ في السؤال هاجس إيمان، يبتغي من وراءه الصدق؛ فهو يرى أن المبلغ الذي حصل عليه مقابل الضرر الذي أصاب منزله غير مستحق له؛ لأن الضرر لم يحدث، فعليه في هذه الحالة: إما رد المبلغ للجهة التي دفعته له، فإن تعذر ذلك لأي سبب، فيتصدق به فيما فيه منفعة للعموم، كالجمعيات الخيرية ونحوها من المنافع العامة، فيكون بهذا قد أبرأ ذمته، أما كونه فقيرًا فهذا أمر آخر، فالمال محل السؤال في حال البراءة منه يعد مالًا عامًّا لأهل البلاد، والأخ في السؤال أحدهم، فإذا كان فقيرًا ولا يقدر على شراء حاجاته الضرورية من المطعم والملبس جاز له أن يأخذ من هذا المال ما يسد ضروراته، ويرد ما بقي منه، والأصل في هذا أنه لا يجوز لأهل بلد أن يكون بينهم جائع أو عطشان أو عريان، والشاهد فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( لا يحل لجار أن يبات وجاره جائع)([3]).

وحاصل القول: أنه إذا لم يكن المنزل في السؤال متضررًا من الحرب فهذا المال يعد مالًا عامًا، يجب رده إلى الجهة التي أعطته، فإن تعذر ذلك فيعطى للجهات ذات المنافع العامة، كالجمعيات الخيرية، ولكون صاحب المنزل فقيرًا كما ذكر فيحق له الأخذ من هذا المال لضروراته الشرعية من الطعام واللباس، ويرد الباقي.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] رواه البخاري(6094).

[2] أخرجه البخاري (6094 )، ومسلم (2607)، وأبو داود (4989)، وأحمد (3638) باختلاف يسير، والترمذي (1971) واللفظ له.

[3] صحيح الجامع للألباني(5382).