الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فمما عرفه الإنسان في جاهليته التماثيل، وصنعها من الخشب والحجر وغيره؛ ليقيم عندها عبادته، وكان العرب في جاهليتهم يفعلون ذلك، والمشهور منها اللات والعزى ومناة، وكانت هذه التماثيل محل تقديرهم، رغم معرفتهم أنها مجرد أخشاب وأحجار لا تنفعهم ولا تضرهم.
أما ضلالها وتحريمها، فكان معلومًا منذ زمن نبي الله نوح -عليه السلام-، فقد ذكر الله ما قاله قومه: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ [نوح: 23-24].
وكان تحريم هذه التماثيل معلومًا أيضًا في زمن -إبراهيم عليه السلام- فقد حاول إقناع قومه ليتوبوا عن ضلالهم في عبادة هذه الأصنام، وقد ذكر الله -عز وجل- مجادلته لهم بقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (٥٣) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنبياء: 52-54].
فاقتضى هذا تحريم التماثيل عبادة وصناعة واقتناء، فهي ضلال مبين في كل أحوالها وأوضاعها؛ لما فيها من مضاهاة لخلق الله، ولا يضاهي الله في مخلوقاته إلا من ضل عن الطريق السوي، وقد أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضلال هذه التماثيل وتحريمها والوعيد الشديد لأصحابها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((من صورَ صورةً في الدنيا، كُلِّفَ يومَ القيامةِ أن يَنفخَ فيها الروحَ، وليس بنافِخِه))([1]).
هذا من حيث العموم، أما سؤال الأخ عن بيع صديقه لما لديه من تمثال، فالأصل أن ما حرم في ذاته حرم بيعه أو الاتجار فيه، إذا كان هذا التمثال على صورة الإنسان أو حيوان أو نحوه من ذوات الأرواح، أما إذا كان التمثال على صورة مخالفة لذلك، كالتمثال لشجرة أو منزل أو جبل أو نهر أو سيارة ونحو ذلك فهذا لا حرج فيه، المهم تحريم ما كان على صورة مخلوق من مخلوقات الله.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري، كتاب: اللباس، باب: من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، برقم: (5963)، (7/169)، ومسلم، كتاب: اللباس والزينة، برقم: (2110)، (6/162).