سؤال من الأخ عويس كمال من الـجزائر، عن حكم من يشهد المشاهد ويحضر الولائم التي يذبح فيها لغير الله، مثل ما يذبح لمن يسمون أولياء الله الصالـحين.

حكم من يشهد المشاهد أو يحضر الولائم التي يذبح فيها لغير الله.

الجــواب: هذا العمل محرم تحـريمًا قاطعًا لما فيه من الشرك بالله -عز وجل-، والشرك من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، والأصل في تحريمه قول الله -عز وجل-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين} [الأنعام: 162-163].

والشرك محرم في كل الديانات التي أرسل الله بها الرسل، وأمر الأمم باتباعها، وآخرهم وخاتمهم رسول الله محمد r وأمته، وفي هذا قال عز ذكره: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِين} [الزمر: 65-66].. وقال: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون} [الأنعام: 88]. وفي الآية الأولى: أمر لنبي الله وأمته أن يتبرؤوا من الشرك، وأن يجعلوا نسكهم لله وحده؛ لأنه الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم ويميتهم ثم يبعثهم، ولأن الذين من دونه لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا. وفي الآية الثانية والثالثة: الحكم بأن الشرك محبط للعمل، وأن عاقبته الخسران.

والأصل أيضًا في تحريم الشرك في السنة النبوية قول رسول الله r: (دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب) قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: (مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرِّب، قال ليس عندي شيء أقربه قالوا له: قرب ولو ذبابًا، فقرب ذبابًا فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله -عزوجل- فضربوا عنقه فدخل الجنة)([1]).

فالذبح لغير الله نوع من أنواع الشرك الأكبر، بل هو الشرك بعينه، فمن ذبح لولي، أو صاحب قبر، أو نبي، أو رسول يعتقد في نفعه أو ضره، أو يدعوه من أجل حاجته، أو يستعين، أو يستغيث، أو يستعيذ به فهو مشرك، وفي هذا قال -عز وجل-: {أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].

وقد عمت البلوى بهذا في بعض بلاد المسلمين فأصبح بعض الغُفل والدراويش في هذا الزمان يتوسلون بالأموات في قبورهم، ويذبحون عندها ويهللون ويكبرون، ويستعينون بهم في قضاء حاجاتهم، ويستغيثون بهم عند شدائدهم؛ اعتقادًا منهم أن لهم كرامات عند الله، وهذه الأفعال المنكرة مما تبعد المسلم عن دينه. ولما كان هؤلاء أو بعضهم يجهل حقيقة دينهم فقد وجب على العلماء والدعاة مسئولية كبرى في تبصيرهم بحقيقة دينهم، وما يجب عليهم من صرف العبادة كلها لله وحده.

قلت: هذا ما يتعلق بمن يباشر الذبح لغير الله، أما من يحضر هذا الفعل فهو شريك في الإثم؛ لأن حضوره لا يخلو من حالين: إما أن يكون مصدقًا له فيما يفعل فحكمه حينئذٍ كحكمه، وإما أن يكون حضوره لمجرد المشاهدة، وهذا يعد في حكم التعاون على الإثم، وقد أمر الله بالتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان في قوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [المائدة: 2]. كما أمر عز ذكره بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [آل عمران: 104].

وخلاصة المسألة: أن الذبح لغير الله محرم تحريمًا قاطعًا، وأن من يذبح لولي أو صاحب قبر أو نبي أو رسول يعتقد في نفعه أو ضره، أو يدعوه لحاجته، أو يستعيذ أو يستعين أو يستغيث به فهو مشرك شركًا أكبر.

ومن يحضر هذه الذبائح أو الولائم إما أن يكون مصدقًا ومباركًا لها، فهذا حكمه حكم الفاعل، وإما أن يكون حضوره لمجرد المشاهدة، وهذا يعد في حكم التعاون على الإثم، وقد أمر الله بالتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان، وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن يحضر الولائم، أو يشهد المشاهد التي يذبح فيها لغير الله ما لم يكن آمرًا بالمعروف أو ناهيًا عن المنكر، وفيما عدا ذلك يكون آثمًا إثمًا عظيمًا.

 

([1]) مسند الإمام أحمد ج4 ص167، .