سؤال من الأخ عمر إيمان من الجزائر عن النصاب في زكاة الزيتون، وما إذا كانت هذه الزكاة تخرج حبًّا أم زيتًا؟

نصاب زكاة الزيتون وما إذا كانت تخرج حبًّا أم زيتًا.

لعل من المفيد -أولًا- معرفة ما إذا كان في الزيتون زكاة أم لا؟ ثم معرفة مقدارها في حال وجوبها.. اختلف الفقهاء في الوجوب من عدمه، وإن كان الغالب منهم يقول بالوجوب.

فعند الإمام أبي حنيفة: أن كل ما يستنبت في الجنان، ويقصد به استغلال الأراضي، ففيه الزكاة، وهو هنا العشر في الحبوب والبقول وغيرها، استدلالًا بقول الله تعالى:- {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]. وقول رسوله محمد ﷺ: (ما سقت السماء والعيون، وكان عثريًا العشر)([1])، ولم يستثن من وجوب الزكاة في الخارج من الأرض إلا خمسة أشياء: السعف (أغصان الشجر)، والتبن، والحشيش، والطرفاء، والقصب(غير قصب السكر؛ لأن فيه الزكاة). وفي المذهب خلاف حول ما تؤخذ منه الزكاة وما لا تؤخذ([2]).

وفي مذهب الإمام مالك: تجب الزكاة في الزيتون؛ لدخوله تحت الحكم العام في قوله تعالى:- {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.

واستدلالًا أيضًا بالحديث المشار إليه، وبأن عمر -رضي الله عنه- لما فتح الشام أمر بأخذ الزكاة من الزيتون، ومقدار النصاب فيه خمسة أوسق([3]).

وفي مذهب الإمام الشافعي قولان؛ ففي القول القديم: تجب الزكاة في الزيتون، لما روي أن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا: في الزيتون زكاة، فإن كان مما لا يخرج منه الزيت فيخرج عشره زيتونًا (أي حبوبًا) وإن كان من النوع الذي يخرج منه الزيت، فلصاحبه إن شاء إخراج الزيت، وإن شاء الزيتون، والزيت أولى([4]).

وفي مذهب الإمام أحمد روايتان عن الإمام؛ ففي رواية ابنه صالح: فيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وإن عصر قوِّم ثمنه؛ لأن الزيت له بقاء. الرواية الثانية لا زكاة فيه، وهو قول ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح؛ لأنه لا يدخر يابسًا، فهو كالخضراوات([5]).

ويتبين مما ذكر أن المذاهب الأربعة متفقة إلى حد ما في وجوب الزكاة في الزيتون، وهو قول الأوزاعي، والثوري، والزهري، وهو ما روي عن ابن عباس وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ولا شك أن للزيتون في الحياة المعاصرة تأثيرًا كبيرًا؛ فالشعوب في حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي أوروبا وفي الأماكن الأخرى من العالم لا تفقده في طعامها، سواء كان على شكل حب أم زيت، ناهيك بتأثيره في التجارة العالمية، خاصة في البلاد التي تستنبته وتصدره، فالزكاة فيه بالنسبة للمسلم واجبة.

وينبني على ما ذكر وجوب الزكاة في الزيتون؛ عملًا بالأدلة، أما وقت وجوبها فتجب بعد جَنيه؛ عملًا بقول الله – تعالى:- {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].

 مثله في ذلك مثل: الحبوب، كالقمح، ونحوه. وأما مقدارها فما كان منه سقته السماء، والعيون، أو كان بعلا ففيه العشر، وما كان يسقى بالنضح (أي بالجهد) ففيه نصف العشر، ولا تجب الزكاة فيه إذا لم يبلغ خمسة أوسق، عملًا بقول رسول الله ﷺ (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة([6])(. والوسق: ستون صاعًا؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام -: الوسق ستون صاعًا([7]). ومجموع خمسة الأوسق: يساوي ثلاثمائة صاع، والصاع: خمسة أرطال وثلثي رطل حنطة بصاع النبي ﷺ في المدينة، وهو: ما يساوي ثلاثة كيلو غرام تقريبًا.. وتخرج زكاته إما حبًّا أو زيتًا حسبما يراه صاحبه، وما هو أنفع للمستحقين.

 

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري، برقم (1483)، فتح الباري ج3 ص407.

([2]) المبسوط للسرخسي ج3 ص32.

([3]) الذخيرة في فروع المالكية للقرافي، ج2 ص441-443، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك ج2 ص175-177، والمعونة على مذهب عالم المدينة للبغدادي ج1 ص409-410، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس، ج1 ص305.

([4]) روضة الطالبين للإمام النووي ج2 ص231، والمجموع شرح المهذب له رحمه الله ج5 ص452.

([5]) المغني لابن قدامة ج4 ص160-161، والكافي ج2 ص133.

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، برقم (1484)، فتح الباري ج3 ص410.

([7]) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة، برقم (1560)، ج2 ص5.