سؤال من الأخ عماد الدين من مصر، يقول: ما حكم تصوير العلاقة الخاصة بين الزوجين؟

حكم تصوير العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالمفهوم من السؤال ما إذا كان يجوز تصوير العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته، والمراد بالعلاقة -كما يفهم-من السؤال العلاقة (الجنسية). فإذا كان هذا هو المفهوم من السؤال.

فالجواب: أن الله -عز وجل- أمر المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم، فقال لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور:30-31)، والمراد من هذا الأمر أن لا يتطلع البصر إلى غير حاجته؛ لأنه مسؤول عما ينظر إليه قال -عز ذكره-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) (الإسراء:36).

والعبد له عورة، والعورة يجب سترها، فعورة الرجل من السرة إلى الركبة، وعورة المرأة كل جسدها ما عدا الوجه والكفين، وستر العورة واجب ولو كان العبد في خلوة، وهو مذهب الحنفية([1])، والشافعية([2])، والحنابلة([3])، ومن قال بهذا الوجوب استدل بأن الأمر بالستر جاء مطلقًا، وأن الله -عز وجل- أحق أن يستحيي العبد منه، والأحكام في هذا كثيرة، منها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا ينظر الرجل إلى عورة الرجل)([4])، ولما قيل له -عليه الصلاة والسلام-: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها»، قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: «الله أحق أن يُستحيا منه من الناس»([5]). وفي حديث محمد بن جحش قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمر على معمر، وهو جالس عند داره في السوق وفخذاه مكشوفتان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غط فخذك يا معمر، فإن الفخذ عورة»([6]).

هذا في عموم المسألة وما يجب على العبد من ستر نفسه وستر غيره، أما سؤال الأخ عن تصوير الزوج بزوجته في أثناء علاقتهما الخاصة فهذا أمر محرم، لا يفعله إلا من سفه رأيه، وضل عقله، وفسد خلقه؛ ومن أسباب تحريم هذا الفعل أنه هتك لستر الزوج وزوجته، وتعدّ على ما أباحه الله، وإفساد لهذه الإباحة، وكل أمر فيه فساد يرد على صاحبه ويجزى عليه بسوء فعله.

ومن أسباب التحريم أن المسلم يجب عليه أن يستر غيره؛ لقول رسول الله -صلى عليه وسلم-: (من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)([7])، فإذا كان هذا في حق غيره، ففي حقه أولى وأعظم.

ومن أسباب التحريم أن تصوير العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته مجاهرة بالمعصية وتعدٍّ على حرمات الله، ومن أسباب التحريم أن تصوير هذا العلاقة قد يظهر للملأ، وهذا من الفحش والمجاهرة بالمعصية، وهو ما أشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن الله -عز وجل- أخبر أن العبد يفضح نفسه بقوله: (كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه)([8]).

ومن أسباب التحريم أن في هذا التصوير مجالًا للخوض واللهو والعبث، وقد توعد الله الذين يخوصون ويلعبون بقوله -تقدس اسمه-: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (المعارج:42).

وحاصل القول أن من يقوم بهذا التصوير، أو يرضى به أو يدعو إليه يعد آثمًا إثمًا عظيمًا.

والله – تعالى- أعلم

 

[1] ينظر: ((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (1/95)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/257).

[2] ((المجموع)) للنووي (3/167، 168)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/185).

[3] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/266، 267)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/413 – 416).

[4] – أخرجه ابن ماجه برقم (661)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (٥٤٤).

[5] – أخرجه أبوداود برقم: (4017)، حسنه الألباني في صحيح أبي داود، (٤٠١٦).

[6] – أخرجه الحاكم في المستدرك برقم: (6684)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، (٢/٥٥): رجاله ثقات.

[7] أخرجه مسلم (2699)، وأبو داود (4946)، والترمذي (1930)، وابن ماجه (185)، وأحمد (2/252) (7421)، والحاكم (4/425)، وابن حبان (2/292) (534).

[8] – أخرجه البخاري برقم: (6069).