سؤال من الأخ عصام أبو الخير من الجزائر عما إذا كان للمرأة أن تعصي زوجها.

الأحوال التي تعصي فيها الزوجة زوجها

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:

فالأصل أن من واجب المرأة طاعة زوجها؛ لقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، ففي هذه الطاعة تحقيق للمودة والسكينة بينهما، ذلك أن الزواج آية من آيات الله العظيمة كما قال -عز وجل-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم: 21]، فبسبب هذا التزاوج أوجد الله الإنسان على الأرض، واستودعه فيها لعبادته وطاعته، وأهم أركان هذا الاستيداع التوافق بين طرفي الزواج، وقد سمى الله العقد بينهما بـ«الميثاق الغليظ» في قوله -عز وجل-: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، وهذا التوافق لا يحدث إلا إذا قام كل منهما بأداء ما وجب عليه، فلما كان على الزوج أن ينفق على زوجته بما تقتضيه كل أسباب النفقة، فإن على الزوجة أن تأتمر بأمره طاعة لله.

ولكن هذه الطاعة مقيدة بمدى شرعية الأمر الذي يأمر به، فإذا كان الزوج يأمر زوجته بمعصية وجب عليها عدم طاعته، والأمثلة في ذلك كثيرة، منها: الأمر بالتبرج والسفور، أو منعها من أداء فرائضها الدينية من صلاة ونحوها.

والأصل في ذلك أمر الله -عز وجل- لنساء نبيه ورسوله محمد ﷺ ونساء أمته بقوله: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33].

ومن ذلك منع الزوج لزوجته من حجة الإسلام، فقد فرض الله هذا الحج على المسلم والمسلمة، وجعله أحد أركان الإسلام في قوله عز وجل: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [أل العمران: 97]، وأمر رسوله ﷺ أمته بالتعجيل به في قوله: (من أراد الحج فليستعجل)([1]).

ومن ذلك لو منعها من علاج مرض ألم بها فلها معصيته؛ لأن التداوي مما أمر به رسول الله ﷺ في قوله: (تداووا، ولا تداووا بحرام)([2])، ناهيك بأن العلاج من أسباب حفظ النفس، وهذا الحفظ من الضرورات الشرعية الواجب المحافظة عليها.

ومن الأمثلة على عدم طاعة الزوجة لزوجها منعها من العمل إذا كانت قد اشترطته عليه، لقول عمر -رضي الله عنه-: «مقاطع الحقوق عند الشروط»([3]). ومن ذلك أيضًا منعها من الحمل؛ لأن النسل من مقومات الزوجية، وإنجابها للذرية حق من حقوقها لا يجوز للزوج منعها منه.

وهكذا في كل أمر يأمر به الزوج زوجته وفيه معصية لله يجب عليها عدم طاعته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال رسول الله ﷺ([4])، كما يجب عليها عدم طاعته في أي أمر فيه ضرر لها في نفسها أو أخلاقها.

وخلاصة المسألة: أن على الزوجة طاعة زوجها ما لم يكن أمره لها بمعصية الله أو معصية رسوله محمد ﷺ، أو كان في أمره لها ضرر حالّ أو محتمل ينالها في نفسها أو أخلاقها.

والله تعالى أعلم

 

([1])  أخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك، باب الخروج إلى الحج، برقم (2883)، ج2 ص962، وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ج2 ص147: «حسن»، برقم (2331).

([2])  أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة، برقم (3784)، سنن أبي داود ج4 ص7، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص174: «حسن»، برقم (1633).

([3])  أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الشروط في النكاح، فتح الباري ج9 ص124.، قال الألباني في إرواء الغليل، (٦/٣٠٤): إسناده صحيح على شرط الشيخين. وذكره ابن حجر في فتح الباري، كتاب الشروط، تحت باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، ج5 ص380.

([4])  أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد، باب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، برقم (1707)، ج4 ص182، بلفظ: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره مالم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٧٥٢٠).