صلاة الجماعة مما عرف من دين الله بالضرورة؛ فالأصل في الإسلام إحياء المساجد بإقامة الصلاة فيها. وقد توارثت الأمة هذا من زمن رسول الله ﷺ، وصحابته، والتابعين لهم، وأئمة السلف والخلف([1]). والأصل في هذا قول الله عز وجل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين}([2]). وهذا أمر بالصلاة مع الجماعة. الأصل الثاني قول رسول الله ﷺ: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزَم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار)([3]). وفي لفظ آخر: (لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم)([4]). وهذا وعيد شديد لا يستحقه إلا من ترك أمرًا عظيمًا من أمور الدين.
هذا قول رسول الله ﷺ أما فعله فلم يترك -عليه الصلاة والسلام- ولا صحابته صلاة الجماعة في حضر ولا سفر، وحتى في حال الخوف أمره الله أن يصليها جماعة في قوله عز وجل: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ}([5]). وصلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة([6]). وهي فرض عين على كل مسلم ما لم يكن له عذر أو مانع يمنعه من حضورها، فإن امتنع عنها دون عذر يكون آثمًا، وتبقى صلاته في بيته ناقصة، فإن كان والدا الأخ في السؤال يمنعانه منها كما لو كان صغير السن -مثلًا- لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ويخشيان عليه من خطر محتمل يحدث له، أو رفقة سوء يكونون في الطريق أو نحو ذلك مما يعد مانعًا شرعيًا، فهذا مما يجوز لهما. أما إن كانا يمنعانه لمجرد المنع فهما يأثمان، ولا يجوز له طاعتهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تبارك وتعالى كما صح ذلك عن رسول الله ﷺ ([7]).
([1]) انظر: بدائع الصنائع للكاساني، ج1 ص155، والفتاوى الهندية، ج1 ص91-92، وبداية المجتهد لابن رشد، ج1 ص141-142، والمجموع شرح المهذب للنووي، ج4 ص182-189، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، ج2 ص210.
([3]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص590، برقم (651).
([4]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص588، برقم (651).
([6]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، ج2 ص587، برقم (650).
([7]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج5 ص66، صححه شعيب الأرنؤوط في تخريج سير أعلام النبلاء، (٢/٤٧٦).