سؤال من الأخ عبد القادر .. من الجزائر، يقول: ما حكم الزوجة غير المقتنعة بتغطية الوجه، فهي تلبس الجلباب من غير أن تغطي وجهها، فهل هناك حل آخر غير الطلاق؟

تغطية المرأة وجهها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر السؤال وجود خلاف بين الزوج وزوجته، فهو يريد منها تغطية وجهها وهي غير مقتنعة بذلك، ويسأل  عن الحل، والجواب أن الله –عز وجل- أعلم بحال عباده، وما يجب عليهم، وما هو  النافع والضار لهم، فقال -عز ذكره – لنبيه وأمته في مسألة حجاب المرأة: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ)(النور:31) وفي هذه الآية عدة أحكام: هي وجوب غض بصر المرأة وحفظ فرجها، وعدم إبداء زينتها إلا  لمحارمها، وضرب الخمار على جيبها، والخمار ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به([1])، ثم قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)(الأحزاب:53) ففي هذه الآية أمر بأن يكون سؤال الرجل للمرأة من وراء  حجاب  لأن ذلك أطهر للقلوب وأنفى للشبهة، ثم قال تقدس اسمه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)(الأحزاب:59) وفي هذه الآية أمر أيضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته ونسائه رضي الله عنهن ونساء أمته أن يلبسن جلابيبهن لما في ذلك من الستر لهن من الرجال الأجانب.

فهذه الأحكام في مجموعها أساس للقول بتغطية وجه المرأة عن الرجال الأجانب، فغض البصر أنقى للفتنة،  وهو ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم – مع الفضل بن عباس فيما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بقوله :أَرْدَفَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم – الفَضْلَ بنَ عَبَّاسٍ يَومَ النَّحْرِ خَلْفَهُ علَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وكانَ الفَضْلُ رَجُلًا وضِيئًا، فَوَقَفَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ وضِيئَةٌ تَسْتَفْتي رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، وأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم – والفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، فأخْلَفَ بيَدِهِ فأخَذَ بذَقَنِ الفَضْلِ، فَعَدَلَ وجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ في الحَجِّ علَى عِبَادِهِ، أدْرَكَتْ أبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ علَى الرَّاحِلَةِ، فَهلْ يَقْضِي عنْه أنْ أحُجَّ عنْه؟ قَالَ: نَعَمْ([2]).

وحفظ الفرج أصل في طهارة المرأة وعفتها، وعدم الزينة -إلا للمحارم- دليل على أن المرأة لا تتزين إلا لهؤلاء، فالأصل أن المرأة لا تتزين للرجال الأجانب؛ لأن ذلك أنقى للفتنة. أما ضرب الخمار على الجيب فهو أيضًا للستر وعدم الفتنة وكذا الأمر بالنسبة للسؤال  من وراء الحجاب وإدناءالجلباب.

وقول الله –عز وجل-: (َلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(النور:31) فقيل  بأن المراد بهذا الوجه والكفان([3]) و ابن مسعود -رضي الله عنه- ومن معه يرون أن ظاهر الزينة هو الثياب، ويراه  سعيد بن جبير والأوزاعي في الوجه والكفين والثياب، ويراه ابن عباس -رضي الله عنه- وقتادة والمسور بن مخرمة في مواد التجميل كالكحل والسوار والخضاب، ويرى ابن عطية أن المرأة مأمورة بألا تبدي ،وأن تجتهد في إخفاء كل ما هو زينة، ووقع الاستثناء – فيما يظهر- بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فـ” ظهر” على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه([4]).

ولا شك في أن المرأة في هذا الزمان قد امتهنت وذلك باستغلالها، والمتاجرة بها في النوادي والاحتفالات والاجتماعات؛ فاقتضى هذا خلقًا سترها من الرجال الأجانب.

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ، فالواجب ألا يكون عدم اقتناع زوجته سببًا  لطلاقها؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم – قال: ” لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً؛ إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا، رَضِيَ منها آخَرَ”([5]).

ومع القول بأن الصواب – والله أعلم – هو وجوب تغطية المرأة لوجهها عن الرجال الأجانب، إلا أن في المسألة خلافًا بين الفقهاء؛ فلا يكون هذا موجبًا للطلاق، وعلى الأخ في السؤال إقناع زوجته بأن ذلك أكرم وأفضل لها، وعلى الزوجة أن تطيع زوجها؛ لأن معصيتها له يعد نشوزًا وتفريطًا في المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها.

                           والله -تعالى- أعلم.

[1] يُنظر: ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: 298)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/257، 256).

[2] أخرجه البخاري (6228)، ومسلم (1334).

[3] ينظر: أحكام القرآن لأبي بكر الرازي الجصاص ج3 ص 315- 316، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج12 ص 226-231،

[4] ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج12 ص 226- 231، و رسالة في فقه الحجاب للشيخ الدكتور عبد الرحمن بن حسن النفيسة ص 17- 23، من إصدارات مجلة البحوث الفقهية المعاصرة بالرياض، عام 1425هـ.

[5] رواه مسلم(1469).