الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، أما بعد:
فإن المبلغ الذي اقترض قريب الأخ في السؤال يعد دينًا عليه، والوفاء بالدين مما يجب على العبد؛ لمناطه بالحقوق بين العباد ووجوب الوفاء بها. والأصل فيه أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-منها: أن رجلًا سأله عن أخيه الذي مات وعليه دين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إن أخاك محتبس بدينه، فاقض عنه، فقال: يا رسول الله، قد أديت عنه إلا دينارين، ادعتهما امرأة وليس لها بينة، قال: فأعطها فإنها محقة)([1]). ومنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(كان لا يصلي على من مات وعليه دين، كما روى سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أنه: ( أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: هل عليه من دين؟، قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقال: «هل عليه من دين؟»، قالوا: نعم، قال: «صلوا على صاحبكم»، قال: أبو قتادة عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه([2]). ومنها ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن رجلًا قال: يا رسول الله، أرأيت إن جاهدت بنفسي ومالي، فقتلت صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، أدخل الجنة؟ قال: نعم، قال ذلك مرتين أو ثلاثًا، قال إن قتلت وعليك دين وليس عندك وفاء، وأخبرهم -عليه الصلاة والسلام- بتشديد أنزل عليهم فسألوه عن الدين، فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلًا قتل في سبيل الله ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله ما دخل الجنة حتى يقضى دينه([3]).
والحاصل: وجوب قضاء الدين، سواء كان هذا الدين لمسلم على مسلم، أو كان لغير مسلم على مسلم، والأخ في السؤال اجتهد كما ذكر في رد القرض إلى صاحبه، ولكن تعذر عليه ذلك، فله حينئذ خياران:
الخيار الأول: إما أن يبحث في مكانه عن جمعية من ملة المقرض فإن وجدها سلمها المبلغ المشار إليه، بعد أن يبلغها عن هذا القرض وملابساته، وعدم استطاعته رده إلى صاحبه؛ لتعذر معرفة مكانه.
الخيار الثاني: إن تعذر عليه وجود هذه الجمعية فعليه أن يتصدق عنه بمبلغ قرضه. والصدقة تجوز لغير المسلم، ففي كل ذات كبد رطبة أجر، كما قال ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([4]).
ولما رأى عمر -رضي الله عنه- يهوديًّا يسأل الناس قال: ما أنصفناه، أخذنا منه الجزية في شبابه وتركناه في كبره يتكفف الناس. وأمر له بخراج من بيت المال([5]). فكما تجوز الصدقة على غير المسلم تجوز الصدقة عنه (من ماله)، وهو هنا القرض في المسألة.
والله أعلم بالصواب، وهو العليم بأحوال عباده، وهو أرحم الراحمين. وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد.
[1] – أخرجه ابن ماجه برقم (2433)، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١٩٨٨).
[2] – أخرجه البخاري برقم (2295).
[3] – أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (2212)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٣٦٠٠).
[4] – لفظ الحديث أخرجه البخاري برقم (2363).
[5] – أخرجه ابن زنجويه في الأموال ج1ص162.