سؤال ‬من الأخ عبدالملك بن عبدالله من ‬غانا عن حكم الوضوء وما ‬إذا كان واجبًا‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم الوضوء وفرائضه وسننه ومستحباته ونواقضه

الجواب: الوضوء للصلاة فرض لازم للمسلم حين ينوي أداء الصلاة فرضًا كانت أم نفلًا، وفرضيته ثابته بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول:

أما الكتاب: فقول الله تعالى‏: ‏{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [المائدة: 6]. فقوله تعالى: {فاغْسِلُواْ..} في الآية أمر لازم لمن يقوم بالصلاة، والأمر يقتضي التكليف بالمأمور، وهو هنا الوضوء، فمن صلى دون وضوء فقد خالف ما أمر به، والمخالفة هنا تقتضي بطلان الغاية التي صدر من أجلها الأمر -وهو الصلاة- ما لم يقم عذر.

وأما السنة: فقول رسول الله ‏: ‏(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)([1]).

وأما الإجماع: فقد أجمع السلف والخلف منذ عهد رسول الله على أن الوضوء للصلاة حكم مفروض على المسلم، ومعروف من الدين بالضرورة.

وأما المعقول: فإن في الصلاة مناجاة لله عز وجل، وهذه المناجاة تقتضي عقلًا أن يكون المناجي نقيًّا من الأنجاس، خاصة في أعضائه التي يقوم عليها وهو يناجي ربه.

وللوضوء فرائض وسنن ومستحبات ونواقض‏:

أما فرائضه فهي‏: ‏النية، وغسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين مع الكعبين، والترتيب والموالاة. وقد وردت الأركان الخمسة للوضوء نصًّا في الآية السابقة.

النية‏: ‏وتتأتى من اشتراطها في عموم الأعمال، وهي شرط للطهارة وللتيمم والصلاة فرضًا كانت أو نفلًا، وهي شرط لكل فعل من أفعال العبادات، ومحلها القلب، حيث يعزم المسلم بقلبه على أنه يتطهر لأداء فعل الصلاة، مستجيبًا لله، ومطيعًا لأمره وأمر رسوله محمد، والأصل في فرضية النية حديث عمر أن رسول الله ﷺ قال‏: ‏(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)([2]). ولا مشروعية للتلفظ بها؛ لأن الأصل في الاعتقاد القلب، ففيه الدلالة على الفعل، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ووقت النية للوضوء يبدأ عند إرادة الفعل، وتستمر النية في أثناء الوضوء إلى حين انتهائه.

غسل الوجه‏: ‏وقد ورد النص عليه حكمًا في الآية السابقة في قول الله عز وجل‏: ‏{فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}. وغسل الوجه‏: ‏إفاضة الماء وإمراره عليه. وحَدُّه من أعلى منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولًا ، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا.

المضمضة والاستنشاق والاستنثار‏:المضمضة إدخال الماء في الفم وإدارته إلى أقصاه. والاستنشاق رفع الماء في الأنف ثم إنزاله وهو الاستنثار، والأصل في المضمضة ما رواه عاصم بن لقيط  عن أبيه أن رسول الله قال‏: ‏(إذا توضأت فمضمض)([3]). والأصل في الاستنشاق والاستنثار ما رواه أبو هريرة  أن رسول الله قال‏: ‏(إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر)([4]). ويستحب المبالغة فيهما إلا في حالة الصيام، لقول رسول الله في حديث عاصم بن لقيط‏: ‏(وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا)([5]). والمبالغة أن يرفع الماء إلى أعلى الأنف. وله أن يستنشق ثلاث مرات من غرفة ماء واحدة أو من ثلاث غرفات، لما رواه عبدالله بن زيد أن النبي  مضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا([6]).

غسل اليدين إلى المرفقين‏: ‏وقد ورد النص عليهما حكمًا في قول الله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} . والمرفقان هما‏: ‏المفصلان الواقعان بين الساعدين والعضدين، ولا يعني قول الله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} خروجهما من حكم الغسل، بل يجب غسلهما لأنهما داخلان في الحكم، كقولهم -مثلًا- أجل فلان حلول دينه على مدينه إلى السنة القادمة، فيدخل في حكم قوله (إلى السنة) نهاية السنة وليس أولها. والأصل فيه أيضًا ما كان يفعله رسول الله من غسل مرفقيه، كما رواه جابر أن رسول الله إذا توضأ أمَرَّ الماء على مرفقيه([7]).

مسح الرأس‏: ‏وقد ورد النص عليه في قول الله تعالى‏: ‏{وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}، ويفترق الغسل عن المسح، فالغسل إفاضة الماء على العضو المراد إفاضة كاملة، أما المسح فيعني إصابة الرأس بالبلل أو القليل من الماء.

مسح الأذنين‏: ‏والأصل فيه ما رواه أبو داود أن رسول الله قال‏: ‏(الأذنان من الرأس)([8]). وفي حديث الربيع بنت معوذ أن النبي  مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة([9]). ويستحب أن يمسحا بماء جديد، ومن المستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه، ويجعل إبهاميه لظاهرهما.

غسل الرجلين مع الكعبين‏: ‏وقد ورد النص عليهما حكمًا في قوله تعالى:  {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}، ويدخل الكعبين في الغسل لما سبق ذكره في المرفقين.

الترتيب والموالاة‏: ‏لم يرد النص على الترتيب بالاسم، بل يفهم من الآية، فقد بدأ الله بالأمر بغسل الوجه، ثم اليدين إلى المرفقين، ثم المسح على الرأس، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين. وهذا الترتيب في الآية يقتضي حكمًا الترتيب في الفعل، وهو الغسل والمسح ثم الغسل، ويؤيده فعل رسول الله، فكل ما أثر عنه أنه كان يرتب وضوءه حسبما ورد النص عليه في الآية، وكان يقول عليه الصلاة والسلام‏: ‏(ابدؤوا بما بدأ الله به)([10]). ولما كانت العبادة توقيفية اقتضى هذا اتباع ما ورد فيها وعدم الخروج عليه باجتهاد.

والترتيب يقتضي الموالاة، فلا يجوز للمتطهر أن يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي غسله، بدليل أمر الرسول للذي كان في رجله لمعة لم يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء والصلاة. ولو كانت الموالاة غير لازمة لما أمره عليه الصلاة والسلام بإعادة الوضوء كاملا، بل لأمره بغسل اللمعة فحسب.

وأما سنن الوضوء ومستحباته‏: ‏فكثيرة، وقد رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏: ‏ إما من قوله أو فعله أو تقريره، ومع أنه لا يلزم من هذه السنن وجوب أدائها، إلا أن في القيام بها فضلًا عظيمًا، فاتباع سنن رسول الله ﷺ، وإن لم يكن في تركها ذنب إلا أن الاقتداء برسول الله في سائر أقواله وأفعاله تأكيد لطاعته، واتباع ما جاء عنه أمرًا أو نهيًا، فطاعته طاعة لله، ومعصيته معصية لله، بدليل قول الله عز وجل‏: ‏{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}  [النساء‏: ‏٠٨].

وهذه السنن هي:

غسل الكفين ثلاث مرات‏: ‏والأصل فيه حديث أوس بن أوس الثقفي  قال‏: ‏رأيت رسول الله توضأ فغسل كفيه ثلاثًا([11]). وقد وصف عثمان بن عفان، وعبدالله بن زيد -رضي الله عنهما- وضوء رسول الله ﷺ فقالا‏: ‏فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات([12]). والحال كذلك في حال الاستيقاظ من نوم الليل، فيغسل يديه ثلاثًا قبل أن يدخلهما في الإناء، لحديث أبي هريرة  أن رسول الله ﷺ قال‏: ‏(إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إناء حتى يغسلها ثلاثًا)([13]).

التسمية‏: ‏وأساسها ذكر الله عز وجل، ومحلها اللسان، وقيل‏: ‏إنها واجبة استدلالًا بحديث أبي هريرة  أن رسول الله قال‏: ‏(لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)([14]). وقيل‏: ‏إنها سنة. وقد ضعف الإمام أحمد الحديث فيها، وقال‏: ‏ليس يثبت في هذا حديث([15]).

قلت‏: ‏والأصح أنها سنة يبدأ بها المتوضئ في بداية وضوئه، فاسم الله على قلب كل مسلم([16])، وذكره عز وجل في كل حال من صفات المؤمنين، حيث قال تعالى عنهم‏: ‏{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال‏: ‏٢] . وذكر الله في كل حال مما تطمئن به القلوب، لقوله عز وجل‏: ‏{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب} [الرعد‏: ‏٨٢].

تخليل اللحية والأصابع‏: ‏التخليل إدخال الماء في باطن اللحية وبين الأصابع لإسباغ الماء عليهما، والأصل في تخليل اللحية ما رواه أنس بن مالك  أن رسول الله إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال‏: ‏(هكذا أمرني ربي عز وجل)([17]). والأصل في تخليل الأصابع حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال‏: ‏(إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك)([18]).

التيمن في الوضوء‏: ‏وهو البدء بغسل اليد اليمنى قبل اليسرى، والرجل اليمنى قبل اليسرى، لحديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ كان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله([19]). وفي حديث أبي هريرة من وجه آخر أن رسول الله قال‏: ‏(إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)([20]).

وقيل‏: ‏إنه إذا بدأ في وضوئه باليد اليسرى جاز([21]).

والأصوب البدء باليمنى، ليس لما ورد في التيمن من أحاديث فحسب، بل إن من سنن الفطرة تقديم اليد اليمنى والرجل اليمنى في حالات الفعل، بل هو مقتضى طبيعة الأشياء والعمل بما تألفه النفوس، وترتاح له في تحريك قواها العضوية. والبدء باليمنى سلوك عام في الإنسان، أملته عليه طبيعة حركته وقدرتها على أداء الفعل.

موالاة غسل الأعضاء‏: ‏وهو أن يتابع المتوضئ وضوءه؛ فلا يتركه بحيث يؤخر غسل عضو حتى يمضي وقت يجف فيه العضو الذي قبله، إلا إذا كان هذا التأخير لأمر مناطه الطهارة نفسها، كما لو غسل وجهه ثم وجد في مرفقيه وسخًا تجب إزالته فتأخر في هذه الإزالة، فلا بأس من أن يستمر في وضوئه بعد تنظيف الوسخ، ولا يلزمه إعادة غسل ما سبق من أعضائه.

إسباغ الوضوء‏: ‏وهو نوعان‏: ‏التحجيل وإطالة الغرة، ويعني في كلتا الحالتين الزيادة على الواجب في الغسل.

فالتحجيل: أن يغسل ما بعد المرفقين وما بعد الكعبين.

وأما الغرة: فغسل جزء من مقدمة الرأس زيادة على غسل الوجه المفروض حكمًا ، فقد توضأ أبو هريرة  فغسل يده حتى أشرع في العضد، ورجله حتى أشرع في الساق، ثم قال‏: ‏هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ، ثم قال‏: ‏قال رسول الله ﷺ‏: ‏(أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله)([22]).

السواك‏: ‏والغاية منه تنظيف الفم مما يكون بين الأسنان من بقايا الطعام التي تفسد، فتجعل للفم رائحة تنفر الناس من صاحبها. والأصل في السواك ما رواه عبيد بن السباق أن رسول الله قال في جمعة من الجمع‏: ‏(يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدًا، فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك)([23]). وما رواه أبو هريرة  أن رسول الله قال‏: ‏(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)([24]).

غسل الأعضاء ثلاثًا‏: ‏يجزئ الوضوء مرة واحدة، أي يغسل الوجه مرة واليدين مرة، والمسح على الرأس مرة والرجلين مرة. والأفضل غسل كل واحد من هذه الأعضاء ثلاثًا؛ لأن رسول الله توضأ مرة مرة، وقال‏: ‏(هذا وضوءٌ من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة، ثم توضأ مرتين مرتين، ثم قال‏: ‏هذا وضوءٌ من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال‏: ‏هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي)([25]).

الدعاء في أثناء الوضوء‏: ‏ثبت من حديث أبي موسى الأشعري  قوله‏: ‏أتيت رسول الله لوضوء فتوضأ فسمعته يقول‏: ‏(اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي) فقلت‏: ‏يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا، فقال‏: ‏(وهل تركت من شيء؟!)([26]).

الدعاء بعد الفراغ من الوضوء‏: ‏والأصل فيه ما رواه عمر بن الخطاب  عن النبي ﷺ أنه قال‏: ‏(من توضأ فأحسن وضوءه، ثم قال‏: ‏أشهد ألا إلَه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فتح الله له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)([27]).

عدم الإسراف في الماء‏: ‏الإسراف في كل الأحوال أمر مذموم بل محرم، لما فيه من تجاوز ما أحله الله، وما يقتضيه هذا التجاوز من إضاعة المال وتبذيره. وهذا الفعل من أفعال الشياطين وسلوكهم. والماء مما يسره الله للإنسان وأحله له، وأمره أن يستعمله فيما فيه نفع له في دينه من الطهارة، وفي دنياه من تسخيره لمعاشه، والأصل في ذم الإسراف ما روي أن رسول الله مر على سعد وهو يتوضأ، فقال‏: ‏(لا تسرف) قال‏: ‏يا رسول الله، أفي الماء إسراف؟ قال‏: ‏(نعم وإن كنت على نهر جار)([28]).

ورسول الله هو القدوة الحسنة فيما يأمر به أو ينهى عنه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتوضأ بمد ويغتسل بصاع([29]).

وروى البخاري عن أبي جعفر أنّه كان عند جابر بن عبدالله هو وأبوه وعنده قوم، فسألوه عن الغسل، فقال‏: ‏يكفيك صاع. فقال رجل‏: ‏ما يكفيني، فقال جابر‏: ‏كان يكفي من هو أوفى منك شعرًا وخير منك([30]).

فإذا كان هذا هو فعل رسول الله في وضوئه وغسله، فإن التجاوز في استعمال الماء في الوضوء، يعد إسرافًا يدخل صاحبه في عداد من لا يحبهم الله في قوله عز وجل: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} [الأعراف‏: ‏١٣]. ويدخل في عموم قول رسوله محمد ﷺ: ‏(إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)([31]).

وأما نواقض الوضوء: فهي كل ما يبطله، فيحتاج الإنسان بعد ذلك إلى الطهارة لما لا يستباح فعله إلا بها .

وهذه النواقض هي:

ما خرج من السبيلين‏: ‏أي ما يخرج من القبل والدبر، ويشمل ذلك البول والغائط، لقول الله تعالى‏: ‏{أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ}  [النساء: ٣٤]. ولحديث صفوان بن عسال أن رسول الله كان يأمرنا إذا كنا في سفر ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من غائط وبول ونوم([32]).

كما يشمل ذلك ما يخرج من الدبر من ريح (الغازات)، والأصل فيه ما رواه أبو هريرة  أن رسول الله ﷺ قال‏: ‏(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل‏: ‏ما الحدث؟ فقال أبو هريرة‏: ‏فساء أو ضراط([33]). ويحكم مسألة الريح التي تخرج من الدبر ما رواه أبو هريرة  أن رسول الله ﷺ قال‏: ‏(إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه‏: ‏أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)([34]). وفي هذا الحديث قاعدة عظيمة تنفي ما قد يوسوس به الشيطان للعبد في صلاته، فيخيل إليه أنه أحدث، فوجب عليه ألا يستجيب لهذه الوساوس، ويضع أمامه هذا المعيار‏: ‏إما سماعه للصوت أو شمه رائحة.

ويشمل ما يخرج من السبيلين المني والودي والمذي، فكل ما يخرج من أحدهما فهو مبطل للوضوء، فإن كان المني نتيجة شهوة وجب الغسل، وإن كان مذيًا أو وديًا وجب غسل الذكر، لقول رسول الله ﷺ‏: ‏(يغسل ذكره ويتوضأ)([35]).

واختلف فيما يخرج من الجسد من سائر النجاسات‏: ‏كالدم والقيء والصديد، فقيل‏: ‏إنه غير ناقض للوضوء، وقيل بأنه ينقضه، ولعل الأصوب -والله أعلم- أن يقدر الإنسان ما يخرج منه؛ فإن كان يسيرًا فهذا لا شك أنه معفو عنه، وإن كان كثيرًا فلعل الأحوط أن يتطهر منه لصلاته.

زوال العقل‏: ‏وهذا ينقض الوضوء، سواء كان بعارض صحي؛ كالجنون أو الإغماء، كحال الإغماء من زيادة السكر في الدم أو نقصه في حالات الإغماء من جراء الحوادث، أو كان بعارض من الشخص نفسه كالسكر أو الدواء أو نحو ذلك، والعلة بينة في أن المغمى عليه لا يعرف نفسه، ولا يتحكم فيها فيعرف ما خرج منه وما لم يخرج.

النوم‏: ‏والأصل فيه قول رسول الله ‏: ‏(العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ)([36]). والأصل أن النوم مظنة الحدث، خاصة منه ما يستغرق فيه النائم، بحيث لا يتحكم في إدراكه، كما لو كان مضطجعًا مستغرقًا في نومه، أما إذا كان مستويًا في جلوسه، فالغالب أن وضوءه لا ينتقض لتحكمه في إدراكه، وقد دل على هذا ما روي أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون([37]).

المس المباشر للفرج‏: ‏وهو أن يمس ذكره بلا حاجز، وهذا ينقض الوضوء، لما روته بسرة بنت صفوان أن رسول الله ﷺ قال‏: ‏(من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ)([38]).

أكل لحم الإبل‏: ‏وهي الجمل والناقة، سواء كانا كبيرين أم صغيرين. والأصل فيه حديث جابر بن سمرة  أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال‏: ‏(إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ) قال‏: ‏أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال‏: ‏(نعم، توضأ من لحوم الإبل)([39]). والأصل فيه أيضًا حديث البراء بن عازب  قال‏: ‏سئل رسول الله ﷺ عن الوضوء من لحوم الإبل قال‏: ‏(توضؤوا منها)([40]).

مس المرأة بشهوة‏: ‏وهذا ينقض الوضوء إذا كان بشهوة، ولا ينقض لغيرها أي من مجرد اللمس([41]).

الارتداد عن الدين‏: ‏وهو الخروج من الدين بالردة، سواء كان هذا الارتداد بالقول أو الفعل، كما لو ترك الصلاة أو أي ركن من أركان الإسلام عامدًا، فيكون جسمه بذلك نجسًا، لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة‏: ‏٨٢]. وهذه النجاسة أصبحت حدثًا، ولا يقبل من محدث صلاة ولا غيرها من أنواع الطاعات.

([1]) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص13، برقم 225، وأخرجه البخاري بلفظ‏:‏» لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ..«، فتح الباري ج1ص 283-282، برقم 531.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ، فتح الباري، ج١ ص٥١، برقم (١).

([3]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، سنن أبي داود، ج١ ص٥٣-٦٣، برقم (٢٤١)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١٤٤).

([4]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، سنن أبي داود، ج١ ص٤٣-٥٣، برقم (٠٤١)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (140) .

([5]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، سنن أبي داود، ج١ ص٥٣-٦٣، برقم (٢٤١)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٧٨٨).

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة، فتح الباري، ج١ ص٥٥٣-٦٥٣، برقم (١٩١).

([7]) أخرجه البيهقي في كتاب الطهارة، باب إدخال المرفقين في الوضوء، وبه قال عطاء، السنن الكبرى، ج١ ص٦٥، وأخرجه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب وضوء رسول الله ، سنن الدارقطني، ج١ ص٣٨، وفيه القاسم بن عبدالله بن عقيل. وقال الدارقطني‏:‏ «ابن عقيل ليس بقوي».

([8]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبي ، سنن أبي داود، ج١ ص٢٣-٣٣، برقم (٣٣١)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (46).

([9]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب صفة وضوء النبي ، سنن أبي داود، ج١ ص٢٣-٣٣، برقم (٩٢١، ٣٣١)، وأخرج البخاري بمثله، انظر‏:‏فتح الباري، ج١ ص٦٥٣، برقم (٢٩١).

([10])    أخرجه النسائي في كتاب المناسك، باب القول بعد ركعتي الطواف، سنن النسائي، ج٥ ص٥٣٢-٦٣٢، صححه السيوطي في الجامع الصغير (٤٨).

([11])    أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٣١-٤١.

([12])    أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، فتح الباري، ج١ ص١١٣-٢١٣، برقم (٩٥١)، وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٥١-٩١، برقم (٦٢٢).

([13])    أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثاً، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٦٩-٧٩، برقم (٨٧٢).

([14])    أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب التسمية على الوضوء، سنن أبي داود، ج١ ص٥٢، برقم (١٠١)، حسنه الألباني في صحيح الترغيب، (٢٠٤).

([15])    الكافي لابن قدامة، ج١ ص٤٥.

([16])    أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج9 ص240، كنز العمال، رقم الحديث 1561، روي بلفظ “واعظ الله في قلب كل مسلم” تخريج المسند لشعيب الأرناؤوط برقم (17634) وقال: صحيح.

([17])    أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب تخليل اللحية، سنن أبي داود، ج١ ص٦٣، برقم (٥٤١)، صححه الألباني في إرواء الغليل، (٩٢).

([18])    أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في تخليل الأصابع، سنن الترمذي، ج١ ص٧٥، برقم (٩٣)، وقال: حسن غريب.

([19])    أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٦٧-٧٧، برقم (٨٦٢).

([20])    أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب التيمن في الوضوء، سنن ابن ماجة، ج١ ص١٤١، برقم (٢٠٤)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٧٨٧).

([21])    الكافي لابن قدامة، ج١ ص٣٦، والمغني، ج١ ص٣٥١.

([22])    أخرجه البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦).

([23])    أخرجه الإمام مالك مرسلاً عن عبيد بن السباق في كتاب الطهارة، باب ما جاء في السواك، موطأ الإمام مالك ص٣٥-٤٥، برقم (١٤١). قال الحافظ ابن حجر في الفتح ج٢ ص٧٣٤‏:‏ «وهو في أثناء حديث وصله ابن ماجة من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه».

([24])    أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، فتح الباري، ج٢ ص٥٣٤، برقم (٧٨٨)، وفي رواية أخرى‏:‏(لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)، رواه أحمد وابن خزيمة، انظر‏:‏الترغيب والترهيب للمنذري، ج١ ص٤٦١-٥٦١.

([25])    أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، سنن ابن ماجة، ج١ ص٥٤١-٦٤١، برقم (٠٢٤)، قال الألباني في إرواء الغليل، (١/١٣٤(: إسناده ضعيف.

([26])    أخرجه ابن القيم في زاد المعاد، فصل في هديه في أذكار الوضوء، ج٢ ص١٦٣، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا توضأ، بلفظ (وهل تركن من شيء؟) ص٢٤، برقم (٠٨)، قال النووي في الأذكار، (٤٤): إسناده صحيح.

([27])أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٦٢-٧٢، برقم (٤٣٢).

([28])    أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة، باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه، سنن ابن ماجة، ج١ ص٥٤١، برقم (٤٢٤)، حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، (٧/٨٦٠).

([29])    أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب القدر المستحب في غسل الجنابة، وغسل الرجل= =والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٨٦١-٩٦١، برقم (٥٢٣، ٦٢٣).

([30])    أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب الغسل بالصاع ونحوه، فتح الباري، ج١ ص٥٣٤، برقم (٢٥٢).

([31])    أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الإسراف في الماء، سنن أبي داود، ج١ ص٤٢، برقم (٦٩)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٩٦).

([32])    أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمقيم والمسافر، سنن الترمذي، ج١ ص٩٥١، برقم (٦٩)، وقال حسن صحيح.

([33])    أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور، فتح الباري، ج١ ص٢٨٢-٣٨٢، برقم (٥٣١).

([34])    أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أنّ من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج٢ ص٦٠٢، برقم (٢٦٣).

([35])    أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب المذي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٠٤١-٢٤١، برقم (٣٠٣).

([36])    أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم، سنن أبي داود، ج١ ص٢٥، برقم (٣٠٢)، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٥٧٣١).

([37])    أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم، سنن أبي داود، ج١ ص١٥، برقم (٠٠٢)، قال النووي في المجموع، (٢/١٣): إسناده صحيح، وأخرجه مسلم (٣٧٦) مختصراً دون ذكر العشاء.

([38])    أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في ترك الوضوء من مسِّ الذكر، سنن الترمذي، ج١ ص٦٢١، برقم (٢٨)، وقال حسن صحيح.

([39])    أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج٢ ص٣٠٢، برقم (٠٦٣).

([40])    أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من لحوم الإبل، سنن أبي داود، ج١ ص٧٤، برقم (٤٨١)، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند لشعيب، (١٨٥٣٨): إسناده صحيح.

([41])    الكافي، للإمام ابن قدامة، ج١ ص٩٩.