سؤال من الأخ عبدالغني .. من الجزائر، يقول فيه: ما حكم الذين يتقوّلون على الله بغير علم؟.

المتقولون على الله بغير علم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من المتقوّلين على الله بغير علم أربع فئات:

الفئة الأولى: الطغاة والمفسدون والظلمة، وهؤلاء يتقولون على الله بغير علم، من أجل بسط طغيانهم على أممهم، فيكذبون عليهم؛ ليفرضوا سلطانهم وقوتهم كما فعلوا مع الأنبياء والرسل، ومن بينهم نوح -عليه السلام-، وكان هؤلاء يدعون أتباعهم، ويكذبون عليهم، فقالوا للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا، ونحن نحمل خطاياكم، وقد أخبر الله عنهم بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (العنكبوت: 12-13)، ولكي يُضلوا أتباعهم، ويزينوا لهم كذبهم قالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ (النحل:35).

وقد عاقبهم الله بأنواع العقاب، كالريح والخسف والصعق، مما هو معلوم في كتاب الله، ومن ضلال هؤلاء: تحليلهم لما حرم الله، وتحريم ما أحله، فنهاهم الله عن ذلك بقوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النحل: 116-117)، وقد صدق الله وعده لهم بالعذاب، فلم يبق لهم باقية بعد الخسف والريح القاتلة.

الفئة الثانية: من المتقولين على الله بغير علم: هم المنافقون، وهؤلاء متبعون لأصحاب الفئة الأولى؛ خوفًا وخشية منهم، أو تصديقهم لهم، وقد أخبر الله-عز وجل-عنهم بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ (البقرة: 8-10)، وكان هؤلاء المنافقون من أشد أعداء الإسلام منذ أن نزلت الرسالة على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكان على رأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وقد فضح الله هؤلاء، وأنزل سورة التوبة على نبيه ورسوله محمد-عليه الصلاة والسلام-تبين له ما كانوا يخفونه من العداوة والبغضاء لرسالته.

الفئة الثالثة: البسطاء من الناس الذين يجهلون أساليب الطغاة والمنافقين وخداعهم، ومن هؤلاء نفر من المسلمين الذين صدقوا كذب المنافقين في مسألة الإفك، فعاتبهم الله على عدم علمهم بقوله: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (النور: 14-15).

الفئة الرابعة: هم الذين يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحله، وهؤلاء كثيرون؛ لأنهم يتبعون أهواءهم، فما وافقها عملوه، وما لم يوافقها خالفوه وتركوه وحاربوه، وهم فيمن ذكر الله -تقدس اسمه-: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ (الجاثية: 23)، ومِنْ كَذِبِ هؤلاء المتقولين على الله أنهم إذا حرثوا حرثًا للزراعة، أو أصابوا ثمرًا، جعلوا لله جزءًا، ولشركائهم جزءًا منه، فابتدعوا بذلك شركاءَ، وكفروا حين أشركوا الله مع خلقه، وهو الذي خلقهم، وخلق حرثهم وثمارهم، وقد بين الله سوء عملهم بقوله-جل وعلا-: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (الأنعام: 136).

ومِنْ تقوُّلهم على الله أنهم إذا فعلوا فاحشة قالوا: إن الله أمرنا بهذا، أي: أنه لم يَنْهَنَا، وقد أوحى الله إلى نبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 33)، ولأنهم كانوا يُحِلُّونَ ما حرم الله حسب أهوائهم، ويحرمون ما أحل لهم، فقال -عز وجل-: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النحل: 116-117).

فهؤلاء في فئاتهم المشار إليها ليسوا وحدهم، بل كل الذين يكذبون رسالة الله، ويلحدون في أسمائه وصفاته يتقولون عليه بغير علم، بل إن كل من يتبعهم في غوايتهم وضلالهم يلحق بهم، وهم أتباعهم ومن يصدقهم ممن قال الله فيهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ (الكهف:104-105). والله -تعالى- أعلم.