تجب الجمعة على أهل المدن والبلدات وعلى كل جماعة يقيمون في مكان لا يرحلون عنه شتاء ولا صيفاً، وهذا يقتضي أنها لا تجب على من يسكن في الصحراء خارج العمران، كما لا تجب على المسافر، والأصل في هذا ما روي عن رسول الله أنه قال: (لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع)([1]). وأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يأمر القبائل التي كانت تسكن حول المدينة بإقامة الجمعة في أماكنهم([2]).
ولكن إذا كان هؤلاء يسكنون قريباً من مكان يسمعون فيه النداء للجمعة، فعليهم أن يسعوا إليها، ولو كانوا في خيام ونحوها، والأصل في هذا الكتاب والسنة، أما الكتاب، فقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} [الجمعة: 9] . وأما السنة، فقول رسول الله (الجمعة تجب على من سمع النداء)([3]). وقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه جابر بن عبدالله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا مسافراً أو مملوكاً أو صبيًّا أو امرأة أو مريضاً، فمن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غني حميد)([4]). هذا من حيث العموم، أما سؤال الأخ عبدالجليل ففيه تفصيل، فإن كان معه في الشركة مسلمون (ولو كانوا أقل من عدد الأربعين الذي تشترطه بعض المذاهب)، فالأفضل لهم أن يصلوا الجمعة سواء في أيام العمل أو في وقت الراحة، وذلك لما في يومها من الفضل العظيم، كما قال رسول الله : (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه)([5]). فإن لم يكن معه أحد فعليه أن يصليها ظهراً.
أما الأيام التي يستريح فيها من العمل، ويبقى في الشركة طيلة مدة هذه الراحة وليس معه مسلمون يصلون الجمعة، فإن كان يقدر على الذهاب إلى مكان آخر كمحل إقامته الأصلي أو غيره، وليس هناك مانع يمنعه، وجبت عليه الجمعة، وإلا فهو في حكم من لا تجب عليهم بحكم إقامته في الصحراء. وفي كل الأحوال تبقى صلاة الجمعة من أعظم القرب إلى الله -عز وجل- وعلى المسلم ألا يفرط في هذه القربة إذا كان قادراً.
والله تعالى أعلم.
([1]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص179، وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه، موقوفاً على علي، كتاب الجمعة، باب القرى الصغار، ج3 ص167-168، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات، باب من قال لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، ج2 ص101، موقوفاً على علي -رضي الله عنه-، وقال الزيلعي في نصب الراية: «غريب مرفوعاً، وإنّما وجدناه موقوفاً على علي»، ج2 ص195.
([2]) الذخيرة في فروع المالكية لشهاب الدين القرافي ج2 ص165 .
([3]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من تجب عليه الجمعة، برقم (1056)، ج2 ص278 .
([4]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الجمعة للمملوك والمرأة، برقم(1067)، ج2 ص280.
([5]) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة، برقم(935)، صحيح البخاري مع فتح الباري ج2 ص483 .