سؤال من الأخ عامر من العراق، يقول: ما حكم الزواج المؤقت؟

حكم الزواج المؤقت

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهناك نوعان من الزواج المؤقت:

النوع الأول: زواج المتعة، ومفهومه أن يتزوج الرجل المرأة مدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، فهذا الزواج واضح في التوقيت والهدف منه الاستمتاع.

والأصل فيه التحريم، ولا خلاف بين الأئمة في ذلك.

والأساس في تحريمه عدة أسباب: منها ما رواه سبرة بن معبد الجهني -رضي الله عنه- أنه غزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة، فقال: (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص في متعة النساء، فأتيته بعد ثلاث، فإذا هو يحرمها أشد التحريم، ويقول فيها أشد القول)([1])، وفي رواية أخرى أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: (يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا)([2])، وفي حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- – (نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)([3])، ومن هذه الأسباب أن هذا الزواج مخالف لما ورد في كتاب الله، من حيث أسس الزواج في الطلاق والميراث والعدة وغير ذلك من الأحكام الأخرى، المنصوص عليها أحكامًا لازمة للزواج والعشرة ونسل الذرية. ومن هذه الأسباب إجماع الصحابة والأئمة على تحريم هذا الزواج. ولم يقل به إلا الشيعة الإمامية، وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وبعض التابعين إباحتها.

قال الخطابي: قيل لابن عباس: هل تدري ما صنعت وقد سارت بذلك الركبان؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله – سبحانه وتعالى – من الميتة والدم ولحم الخنزير وما يحل للمضطر، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير([4])، وروي أن علي بن أبي طالب -رضي عنه- كان يلوم ابن عباس -رضي الله عنهما- على قوله، ويشدد على تحريم المتعة بقوله: “مهلًا يا ابن عباس، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية”([5])، فأما ابن عباس: فرُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه أباحها، ورُوي عنه: أنه رجع عن ذلك([6]).

ومن أسباب تحريم زواج المتعة أن الهدف منه الاستمتاع المجرد، وهذا ينافي الحكمة من الزواج، وإرادة الله منه في إعمار الأرض بالنسل، عملًا بقوله -عز وجل-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل:72]، ثم إن في هذا الزواج إهدارًا لكرامة المرأة، وانتقالها من رجل إلى آخر، مما يتنافى مع ما منحها الله لها من وجوب السكينة والمودة في ظل الزواج الدائم.

فحاصل القول في المتعة: إنها محرمة وتتنافى مع حقيقة الزواج الصحيح وأحكامه، وإنها ليست إلا مجرد استمتاع يفقد كل معاني الزواج والحكمة منه.

النوع الثاني: من الزواج المؤقت: الزواج بنية الطلاق، والمراد منه أن من تزوج امرأة وفي نيته طلاقها لا جناح عليه، فالمهم ألا يشترط وقتًا معينًا؛ لأنه بدون هذا الشرط قد يستمر زواجه منها، ولعمري إن الزواج بنية الطلاق في الحالات التي تروى وتشاهد في هذا الزمان لشبيهة بزواج المتعة، أو هي الرديف له؛ فاقتضى هذا مني (البراءة) من سابق ما قلت عن جواز هذا الزواج؛ وذلك للأسباب التالية:

 

أولها: أن أسس الزواج السكينة والمودة والرحمة والنسل، والأصل فيه قول الله -عز وجل-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: ٢١]، وقوله -عز ذكره-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل: ٧٢]، وفي هذا الزواج تنتفي هذه الأسس كلها، فالسكينة فيه مؤقته والمودة والرحمة فيه غير متحققة؛ لأن القصد قضاء الوطر من الزوجة مدة معلومة، والنسل فيه غير متحقق؛ لأن من ينوي طلاق من تزوج بها لا يريد منها بنين وحفدة.

السبب الثاني: أن القصد أساس في التعامل بين عباد الله، وهو بالمعنى الآخر “النية” والأصل في ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى)([7]). فمن ينوي الطلاق قبل الزواج يعد سيئ النية في تعامله، ويدخل في حكم الذواقين، ومع أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فإن أحدًا لا ينكره، ولكن المشكلة في تبييته.

      السبب الثالث: أن إخفاء نية الطلاق عن الزوجة يعد غشًّا لها، والأصل تحريم الغش؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من غشنا فليس منا)([8])، ولا يختلف الزوج في نيته هذه عن التاجر الذي يغش من يتعامل معه، وعدَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الفجار.

 السبب الرابع: أن القول بأن الطلاق قد لا يتحقق رغم هذه النية، وأن النكاح قد يتحول إلى نكاح دائم، وأن المعاشرة بين الزوجين قد تجعل بينهما مودة ورحمة ونسلًا، وهذا -وإن كان في ظاهره صحيحًا- إلا أنه احتمال، والاحتمال لا تبنى عليه الأحكام.

قلت: ولهذه الأسباب مجتمعة أرى أن هذا النكاح في هذا الزمان شبيه بنكاح المتعة.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (4144)، صحح إسناده شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن أبي داود، (٢٠٧٢).

[2] – أخرجه مسلم برقم: (1406).

[3] – أخرجه البخاري برقم (5115).

[4] – معالم السنن 3/ 191.

[5] أخرجه مسلم ( 1407 ).

[6] التمهيد لابن عبد البر 10/121.

[7] – أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فتح الباري ج١ ص١٥، برقم (١).

[8] – أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من غشنا فليس منا)، صحيح مسلم بشرح النووي ج١ ص٧٦٦، برقم (١٠١).