الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فلأهمية السؤال عن صلاة الجماعة نشير إلى أهمية هذه الصلاة ووجوبها، والأدلة من الكتاب والسنة والمأثور من سلف الأمة وخلفها.
فأما الكتاب فقول الله -تعالى- :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة:43). وقوله -جل في علاه- : (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ)(النساء:102). وقوله:) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ))مريم:43). فهذا يدل على الأمر بإقامة الصلاة جماعة؛ لأن الأمر بالركوع جاء بصيغة الجمع لأدائها مع الراكعين، وهؤلاء لا يكونون إلا جماعة؛ فاقتضى ذلك استثناء المنفرد لصلاته منها، وقوله -جل في علاه- : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ)(التوبة:18) فمن داوم على ترك الصلاة مع الجماعة خرج من الوصف في الآية من المؤمنين .
ومن الأدلة في كتاب الله قوله -عز ذكره- : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)(النور:36-37). ففي هذا أيضًا وصف للذين يسبحون في المساجد في الليل والنهار، وهم الرجال الذين لا تلهيهم أمور الدنيا، فمن داوم على ترك الجماعة خرج من الوصف الوارد في الآية.
ومن الأدلة في كتاب الله ما ورد في صلاة الخوف لقوله -تعالى- : (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ)(النساء:102). وفي هذا بيان بتوكيد أن صلاة الجماعة واجبة، رغم ما قد يواجهه المصلون من فزع وخوف، فإذا كان هذا هو الحال في وقت الخوف والحرب فهو في حال الأمن والسلم أولى وآكد.
هذا من كتاب الله، أما من السنة فالأحاديث في وجوب حضور صلاة الجماعة أن المأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين هاجر إلى المدينة أقام الصلاة في جماعة، ولم يتخلف عنها إلا حين اشتد عليه المرض، فهو بهذا القدوة الحسنة؛ عملًا بقول الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)(الحشر:7) .
وعلى هذا الأثر سار الخلفاء والصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وفي هذا قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ([1]).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ الشيخ فالواجب على العلماء -ومن في حكمهم من الدعاة الصالحين- أن يدعوا من يتخلف عن الصلاة مع الجماعة دعوة موعظة ومحبة وبيان لفضلها، وأنها تفرق عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، والبيان لهم الخطأ في تركها، وأنه لا يعذر منها إلا من له عذر شرعي، كالمرض أو الخوف والخطر.
وأما السؤال عن وضع الغرامات فهذا لا يحقق المراد منه، وإنما ينبغي الدعوة، والتأكيد على هذه الصلاة، والتذكير بها، والنصح بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة، والبعد عن الفتن وإخلاص النية في الدعوة، فهذا كله مما يحقق الغاية.
والله -تعالى- أعلم .
[1] -أخرجه مسلم برقم (654).