المأموم في الصلاة تابع لإمامه في ركوعه، وسجوده، وقيامه، وفي سائر حركاته في الصلاة. وهذه التبعية تقتضي منه ملازمته، وعدم مفارقته، أو مخالفته ما لم يدل على ذلك دليل شرعي، وللمخالفة ثلاث حالات:
الحالة الأولى: مخالفة المأموم لإمامه عمداً أو تهاوناً: فهذه المخالفة تبطل الصلاة، والأصل فيه: نهي رسول الله فيما رواه أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله ﷺ ذات يوم. فلمَّا قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: (أيها الناس إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومِن خلفي…) الحديث([1]). وما رواه أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار)([2]).
ففي الحديث الأول نهي عن مخالفة الإمام، وعدم الانتهاء عن المخالفة يوجب بطلان الصلاة؛ لأن النهي يقتضي الفساد، وفي الحديث الثاني: وعيد، والوعيد يقتضي الخوف من وقوعه، وفي هذا قال الإمام أحمد: «لو كان لهذا (الموعود) صلاة لرجا له الثواب، ولم يخش عليه العقاب»([3]).وبطلان الصلاة في هذه الحالة له وجه مشروع ومعقول؛ ذلك أن المأموم تابع لإمامه، فإذا قارنه أو خالفه لم يعد مأموماً، بل أصبح إماماً لنفسه، وهذا ينافي الهدف من صلاة الجماعة فالمراد منها: الاجتماع وعدم التفرق. وقد وصف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه هذه المخالفة بالشذوذ في قوله لرجل سبق إمامه: «لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت»([4]).
الحالة الثانية: المخالفة في حال السهو أو العجز: ومن ذلك لو ركع الإمام ورفع قبل ركوع المأموم بسبب عذر من زحام، أو نعاس، أو عجلة الإمام، فإن على المأموم أن يفعل ما سُبِقَ به ويدرك إمامه ولا شيء عليه([5]).
الحالة الثالثة: جلسة الاستراحة: وفيها: خلاف بين الفقهاء؛ ففي مذهب الإمام أبي حنيفة([6]) ومالك([7]) والشافعي([8]) وأحمد([9]): أن على المأموم ألا يجلس إذا قام من السجدة الثانية، وهذا النهي للكراهة يقول النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله لا يجلس هذه الجلسة([10]).
وفي قول للإمام الشافعي، وأحمد: أن هذه الجلسة تسن استدلالاً بما رواه مالك بن الحويرث أن رسول الله كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى([11]). قال الإمام ابن قدامة: «ذكره أيضاً أبو حميد في صفة صلاة رسول الله، وهو حديث حسن صحيح، فيتعين العمل به والمصير إليه»([12]). وقد ذكر هذه الجلسة أيضاً الشيخ الألباني في صفة صلاة رسول الله ([13]).
قلت: والأصح -والله أعلم- جواز جلسة الاستراحة لمن يحتاج إليها؛ لكبر سنه، أو مرضه، أو ضعفه؛ لأن جلوس رسول الله حُمِلَ على أنه كان في آخر عمره عند كبره وضعفه؛ فمن احتاج إليها إذاً جاز له أن يفعلها، ولو لم يفعلها إمامه؛ لأن مناطها الحاجة، ولا تعارض حينئذٍ بين فعلها ووجوب متابعة المأموم لإمامه؛ لأنها جلسة خفيفة يلحق بعدها المأموم بإمامه.
([1]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما، صحيح مسلم بشرح النووي ج2 ص163، برقم (426).
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام، فتح الباري ج2 ص214، برقم (691).
([3]) المغني لابن قدامة ج2 ص210.
([4]) المغني لابن قدامة ج2 ص210.
([5]) سئل الإمام أحمد رحمه الله عما إذا سجد الإمام فرفع رأسه قبل أن يسجد المأموم، فأجاب: إن كانت سجدة واحدة فيتبعه إذا رفع رأسه، وإن سبقه بركعة كاملة أو أكثر فإنه يتبع إمامه، ويقضي ما سبقه الإمام به. ولما سئل عن رجل نعس خلف الإمام حتى صلى ركعتين؟ قال: »كأنه أدرك ركعتين، فإذا سلم الإمام صلى ركعتين، وإن سبقه بأكثر من ركن، وأقل من ركعة، ثم زال عذره فالمنصوص أن يتبع إمامه، ولا يعتد بتلك الركعة، ولما قيل له عن رجل ركع إمامه وسجد وهو قائم لا يشعر ولم يركع حتى سجد الإمام قال: يسجد معه، ويأتي بركعة مكانها». المغني ج2 ص211 .
([6]) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ج2 ص77، 78، والفتاوى الهندية ج1 ص83.
([7]) انظر: القوانين الفقهية لابن جزي ص46 .
([8]) روضة الطالبين للنووي ج1 ص260، ونهاية المحتاج ج1 ص518، والمجموع شرح المهذب ج3 ص443 .
([9]) المغني لابن قدامة ج2 ص211-209، والإنصاف للمرداوي ج2 ص72-71 .
([11]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي وسنته، فتح الباري ج2ص 192-191، برقم (677).