سؤال من الأخ سيف..من الجزائر، يقول: أنا أدرس خارج بلدي، تعرّفت طالبة زميلة الدراسة، وأريد الزواج منها؛ لأني لا أريد الوقوع في الحرام أو الخطأ، فهل زواجي منها حتى انتهاء فترة الدراسة يعد حرامًا؛ لأني ليس بإمكاني اصطحابها معي إلى بلدي؟

حكم الزواج مع نية الطلاق حين انتهاء فترة الدراسة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الأصل في الزواج الدوام والاستمرار فيه، فلا تنتهي العلاقة بين الزوج وزوجته إلا بفعل عارض هو الطلاق، وهذا الفعل استثناء من الأصل، أي أن الزواج ليس مجرد علاقة استمتاع لمدة معينة تنتهي بعدها هذه العلاقة؛ ولهذا بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغض الله للطلاق، فقال فيما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (أبغض الحلال إلى الله الطلاق )([1])، وهذا البغض من الله للطلاق لا يكون إلا فيما لا خير فيه.

ومن المتفق عليه أن توقيت الزوج بأجل (أي زواج المتعة) يعد محرمًا بالإجماع، وأما الزواج بـنية الطلاق فقيل بجوازه، وقد سبق أن ذكرنا في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة([2]) أن الإمام الأوزاعي قال عن هذا الزواج إنه نكاح متعة، وكرهه الإمام مالك، كما كرهه آخرون من العلماء.

ولا شك في أن الزواج بنية الطلاق في الحالات التي تروى وتشاهد في هذا الزمان لشبيه بزواج المتعة المحرم، أو هو الرديف له؛ فاقتضى هنا القول مني بعدم جوازه؛ للأسباب التالية:

أولها: أن أسس الزواج السكينة والمودة والرحمة ونسل الذرية، والأصل في هذا قول الله -عز وجل-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل:72)، وقوله -عز ذكره-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، وفي هذا الزواج تنتفي هذه الأسس كلها، فالسكينة فيه مؤقتة، والمودة والرحمة غير متحققة؛ لأن القصد قضاء الوطر من الزوجة مدة معلومة، كما أن النسل غير متحقق فيه؛ لأن من ينوي طلاق من تزوج بها لا يريد منها بنين وحفدة.

السبب الثاني: أن القصد أساس في التعامل بين عباد الله، وهو بالمعنى الآخر” النية”، والأصل في ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى”([3])، فمن ينوي الطلاق قبل الزواج يعد سيئ النية في تعامله، ويدخل في حكم الذواقين. ومع أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فإن أحدًا لا ينكره، ولكن المشكلة في تبييته.

السبب الثالث: أن إخفاء نية الطلاق عن الزوجة يعد غشًّا لها، والأصل تحريم الغش؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من غشنا فليس منا”([4])، ولا يختلف الزوج في نيته عن التاجر الذي يغش من يتعامل معه، وقد عدّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الفجار في قوله: “إنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ”([5]).

السبب الرابع: أن القول بأن الطلاق قد لا يتحقق رغم هذه النية، وأن النكاح قد يتحول إلى نكاح دائم؛ لأن المعاشرة بين الزوجين قد تجعل بينهما مودة ورحمة ونسلًا، وهذا وإن كان في ظاهره صحيحًا إلا أنه احتمال، والاحتمال لا تبنى عليه الأحكام.

والأخ في المسألة إما أن يتزوج زميلته في الدراسة زواجًا لا نية له في طلاقها قبل هذا الزواج، فإن لم يستطع ذلك لعدم قدرته على اصطحابها إلى بلده فليتزوج من بنات بلده، فإذا صلحت نيته في البعد عن الحرام -وهو كذلك إن شاء الله- فسيجعل الله له من أمره يسرًا.

والله -تعالى- أعلم.

[1] – أخرجه أبو داود برقم (2178) صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٥٣)..

[2] – ينظر: العدد: الثامن والسبعون – السنة: العشرون – محرم – صفر- ربيع الأول- 1429هـ – مارس (آذار) إبريل( نيسان) مايو ( أيار) 2008 م ص 342- 344.

[3] أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، برقم (1).

[4] أخرجه مسلم برقم (102).

[5] أخرجه الترمذي برقم (1210) وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” برقم (994).