الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد قسم الله الزكاة، وبيّن المستحقين لها، حكمًا قاطعًا إلى يوم القيامة في قوله -عز وجل-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، [التوبة:60]، فـ (سبيل الله) أحد المستحقين لها، فهذا السبيل عام وشامل، لكل ما فيه، قربة إلى الله.
والمصاحف فيها كلام الله -عز وجل- وقد بين ذلك في قوله -عز ذكره-: {في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}، [النور:36-37]، وعمارة المساجد بتشييدها وبنائها إنما هو لذكر الله فيها، ومن أهم الذكر: تلاوة كتابه، والتفكر والتدبر بما فيه من الأحكام والعبر، والأوامر والنواهي وبيان الحسنات والسيئات؛ فاقتضى هذا وجوب توفير المصاحف في المساجد، فإن شح ذلك لأي سبب تعين توفيرها من الزكاة بحسب ذلك من {سبيل الله} ومن المسلمين أنفسهم، إما بالتبرع المجرد أو من زكاة أموالهم.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ عن جواز صرف الزكاة لشراء المصاحف، فالجواب أنه إذا لم يكن في مسجد أو مساجد مصاحف جاز صرف الزكاة لشرائها وتوزيعها؛ لأن ذلك من {سبيل الله} ومن أعظم سبله تلاوة كتابه في بيوته. والمسلمون لا يعذرون في ترك المساجد بلا مصاحف، فهذا الكتاب الذي أنزل على نبيهم ورسولهم رحمة وهداية لهم لم ينزل كتاب أعظم منه منذ خلق الله الخلق، قال الله -عز وجل- عنه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، [الحشر:21]، وقال- تقدس اسمه-: {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}، [لقمان:3-4].
والله -تعالى- أعلم.