سؤال من الأخ سفيان ع… من الجزائر يقول فيه: إذا أردت أن أصلي صلاة الفريضة أو النافلة، ولم أجد أمامي إلا ماء البحر، فهل يجوز لي أن أتطهر به؟.

حكم التطهر بماء البحر.

الأصل في طهور ماء البحر: الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب: فقول الله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ}([1]). وقوله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}([2]). وعن عموم هذه الآية وشمولها لماء البحر قال أبو بكر الجصاص: ‹‹ فإن قيل: قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} فجعل الماء المنزل من السماء طهورًا، فإذا خالطه غيره فليس هو المنزل من السماء بعينه؛ فلا يكون طهورًا، قيل له: مخالطة غيره له لا تخرجه من أن يكون الماء هو المنزل من السماء، ألا ترى أن اختلاط الطين بماء السيل لم يخرجه من أن يكون الماء الذي فيه هو المنزل بعينه، وإن لم يكن وقت نزوله من السماء مخالطًا للطين؟ وكذلك ماء البحر لم ينزل من السماء على هذه الهيئة، والوضوء به جائز؛ لأن الغالب عليه هو الماء المنزل من السماء، فهو إذًا مع اختلاط غيره به متطهر بالماء الذي أنزله الله من السماء وسماه طهورًا››([3]).

 أما السنة: فما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)([4]).

قال بدر الدين العيني الحنفي إن رسول الله ﷺ لم يقل نعم عند سؤال الرجل؛ لأنه لو قال نعم لم يجز الوضوء به إلا للضرورة؛ لأنه سأله بصفة الضرورة، وكان يربط نعم بسؤاله، فاستأنف بيان الحكم لجواز الوضوء به مطلقًا([5]). وما رواه أيضًا ثوبان عن رسول الله ﷺ أنه قال: (الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه)([6]).

والماء يشمل كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض كماء العيون والآبار والبحار، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: (من لم يطهره البحر فلا طهّره الله)([7]).

وأما الإجماع: فقد ذكر الإمام النووي أن جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم على أن ماء البحر لا يكره، ولم يقل أحد خلاف ذلك سوى عبدالله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب -رضي الله عنهم- فإنهم كرهوا الوضوء به([8]). لحديث ابن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: (لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا)([9]). وقد احتج القائلون بطهورية ماء البحر بحديث (هو الطهور ماؤه)، وبحديث (الماء طهور)، ولأنه لم يتغير عن أصل خلقه فأشبه غيره. وأما حديث (تحت البحر نار) فضعيف باتفاق المحدثين، ولو ثبت لم يكن فيه دليل. ولا معارضة بينه وبين حديث (هو الطهور ماؤه)([10]).

قلت: وقد اتفق عامة الفقهاء في الأمصار على أن ماء البحر طاهر مُطهِّر، وأن التطهر به جائز بلا خلاف بيِّن، ويشمل ذلك الوضوء وكل ما يزيل الحدث([11]).

وخلاصة المسألة: أن ماء البحر طاهر مُطهِّر، وأن التطهر به جائز بلا خلاف بيِّن، ويشمل ذلك الوضوء وكل ما يزيل الحدث. والأصل في هذا الكتاب والسنة؛ أما الكتاب فقول الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}. والماء يشمل كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض كالعيون والبحار والأنهار والآبار؛ وأما السنة فما روي أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ قائلًا: يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).

والله تعالى أعلم.

([1]) سورة الأنفال من الآية 11.

([2]) سورة الفرقان من الآية 48.

([3]) أحكام القرآن للجصاص ج5 ص203، وانظر البناية شرح الهداية لبدر الدين العيني ج1 ص352-353.

([4]) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنّه طهور، برقم (69)، سنن الترمذي ج1 ص100-101، وقال: ‹‹ حديث حسن صحيح››.

([5]) البناية شرح الهداية ج1 ص357.

([6]) رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب الماء المتغير، برقم (1)، سنن الدارقطني ج1 ص28-29، وفي سنده راشد بن سعد، قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب ص204: ‹‹ ثقة كثير الإرسال››، وروى الحديث البيهقي بلفظ: (إنّ الماء طاهر إلا أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه). وأخرجه الطحاوي مرسلاً في شرح معاني الآثار كتاب الطهارة، باب الماء يقع فيه النجاسة، شرح معاني الآثار ج1 ص16. وصحح أبو حاتم إرساله، قال الشيخ ظفر أحمد العثماني في إعلاء السنن ج1 ص244: ‹‹ قلت: المرسل بشروطه حجة عندنا، وهو كذلك››، فالقسم الأول من الحديث صحيح من حديث ابن عباس ‹‹ الماء لا ينجسه شيء›› عند ابن حبان (1241) وصححه الحاكم ج1 ص159، وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء أنّ الماء لا ينجسه شيء، برقم 66، سنن الترمذي ج1 ص95-96، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري ‹‹ الماء طهور لا ينجسه شيء›› في مسند الإمام أحمد ج3 ص15-16، 31.

([7]) أخرجه الإمام الشافعي في الأم ج1 ص3، وأخرجه البيهقي في كتاب الطهارة، باب التطهير بماء البحر، السنن الكبرى ج1 ص4، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، (٥٨٤٣).

([8]) المجموع شرح المهذب ج1 ص90-91.

([9]) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في ركوب البحر في الغزو، برقم (2489)، عن عبدالله ابن عمرو مرفوعاً، سنن أبي داود ج3 ص6، قال النووي في معرض تعليقه على الحديث: ‹‹ وأما حديث تحت البحر نار فضعيف باتفاق المحدثين، وممن بيّن ضعفه أبو عمر بن عبد البر، ولو ثبت لم يكن فيه دليل. ولا معارضة بينه وبين حديث هو الطهور ماؤه››، المجموع ج1 ص91.

([10]) المجموع للنووي ج1 ص91.

([11]) راجع: البناية شرح الهداية لبدر الدين العيني الحنفي ج1 ص352 – 357، والمعونة على مذهب عالم المدينة للبغدادي ج1 ص174-175، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج1 ص23، الفواكه الدواني ج1 ص121، وجامع الأحكام الفقهية للقرطبي ج1 ص25-26، والأم للإمام الشافعي ج1 ص3، والمجموع شرح المهذب ج1 ص90-91، والحاوي الكبير للماوردي ج1 ص33-38، وانظر كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج1 ص25-26، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي ج1 ص115، والمغني ج1 ص13-14.