بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، محمد -صلى الله عليه وسلم- وأله وصحبه جمعين، ثم أما بعد،،،
الأصل في فرضية الصيام الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
أما الكتاب: فقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 183]. وقوله عز وجل: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ومعنى كُتب أي: فُرض عليكم ولزمكم أداؤه كما فرض.
وأما السنة: فما رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: (بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)([1]). وما رواه أبو أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال في حجة الوداع: (أيها الناس: اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم: وحجوا بيت ربكم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، تدخلوا جنة ربكم)([2]).
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على أن صيام شهر رمضان أحد أركان الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، وهو فرض عين على المسلم البالغ المكلف([3]).
وأما المعقول فإن الإنسان بطبعه يثقل جسمه من الطعام والشراب، فاقتضى هذا عقلا أن يكف عن شهوته مدة معلومة من السنة، لكي يمنح نفسه وجسمه راحة مما أثقلها، ناهيك أن في الصيام حرمانا للنفس مما تطلب وتشتهي، وفي هذا الحرمان فرصة للتأمل والتفكر في نعم الله وشكره عليها، كما أن فيه فرصة لاختبار الإرادة ومقاومة الشهوة وتعود الشدة والصبر([4]).
وقد رغب رسول الله ﷺ في صيام شهر رمضان، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أتاكم شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتُغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِم خيرها فقد حرم)([5]). كما حذر -عليه الصلاة والسلام- من الفطر في نهار رمضان، وذلك فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: (من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة ولا مرض، لم يقض عنه صوم الدهر كله، وإن صامه)([6]).
قلت: ومن ترك صيام شهر رمضان بدون عذر كالمرض والسفر فهو إما أن يكون متهاونا فيه، أو جاحدا لوجوبه. فمن تركه متهاونا فقد عصى الله ورسوله، وارتكب إثما عظيما، وعليه القضاء والتوبة إلى الله بشروطها المعروفة.
ومن تركه جاحدا لوجوبه فيعد كافرا مرتدا عن الإسلام، تجب استتابته فإن تاب وإلا طبقت عليه أحكام الردة([7]).
وخلاصة المسألة: أن الصيام أحد أركان الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع،
فمن تركه متهاونا فقد عصى الله ورسوله، وارتكب بذلك إثما عظيما وعليه القضاء والتوبة إلى الله.
ومن تركه جاحدا لوجوبه يعد كافرا مرتدا عن الإسلام، تجب استتابته فإن تاب وإلا طبقت عليه أحكام الردة.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم، فتح الباري ج1 ص64، برقم (8).
([2]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ج1 ص251، صحح السيوطي في الجامع الصغير، رواية قريبة ألفاظها من هذه الرواية (١٢٨).
([3]) انظر: بدائع الصنائع للكاساني ج2 ص75-76، وشرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام ج2 ص300-301، وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج2 ص373-374، وبداية المجتهد لابن رشد ج1 ص283، وجامع الأحكام الفقهية للقرطبي ج1 ص336، والمهذب للشيرازي ج1 ص176-177، والمجموع للنووي ج6 ص247-251، والحاوي الكبير للماوردي ج3 ص239-240، والإقناع للحجاوي ج1 ص485-486، وكشاف القناع للبهوتي ج2 ص299-301، والمحلى بالآثار لابن حزم ج4 ص285-286.
([4]) انظر شرح فتح القدير ج2 ص300-301.
([5]) أخرجه النسائي في كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، سنن النسائي ج4 ص129، صححه الألباني في صحيح النسائي، (٢١٠٥).
([6]) أخرجه أبو داود في كتاب الصيام، باب التغليظ في من أفطر عمدا، برقم (2396)، وأخرجه الترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في الإفطار متعمدا، برقم (723)، سنن الترمذي ج3 ص101، أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التضعيف قبل حديث (١٩٣٥).
([7]) انظر: شرح فتح القدير ج2 ص301، وحاشية ابن عابدين ج2 ص373، والحاوي الكبير ج3 ص240.