سؤال ‬من الأخ رشيد كهوس من المغرب، ‬عن اجتهادات الفقهاء التي ‬ترُدُّ ‬على كل الشبه التي ‬يوردها المغرضون حول قوامة الرجل على المرأة في ‬الإسلام.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الرد على الشبه حول قوامة الرجل على المرأة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:

فقبل الجواب تحسن الإشارة إلى أن المغرض تجاه أي أمر لا يقبل أي حجة، ولا يقتنع بأى دليل مهما كانت قوته؛ لأن عقله وفكره قد انصب على عداء من يتوهم أنه عدو له، وهذا هو الفارق بين عدو يتربص بمن يتوهم، ويزعم أنه عدو له، وبين من جعله هذا العدو محلًّا لعداوته، مع أنه لم يكن كما توهمه.

وفي هذا حكاية لطيفة، فقد روي أن أعرابيًّا لما سمع النداء للصلاة ذهب إلى محل الوضوء الملاصق للمسجد، وأخذ يتوضأ للصلاة، فجاءه رجل آخر فضربه، فهب الرجل يسأل عن السبب، فقال له: إنك لم تصلِّ، فأجابه بأنه يتوضأ للصلاة، وأن الأذان ما زال قائمًا لم ينته، فرد عليه الرجل ببساطة: أعرف ذلك، ولكني استثقلك ولا أحبك، وهنا رد عليه الأعرابي بضربة أسقطته على الأرض، وقال: هذه بتلك.

هذه الحكاية تنطبق على المغرضين الذين يوردون الشبه في مسألة قوامة الرجل على المرأة في الإسلام، ومنهم قلة من المتأزمين من قومنا، ممن أغرتهم بعض مؤلفات الاستشراق، فغرقوا فيها، فمهما قيل لهؤلاء عن هذه المسألة فلن يقبلوا؛ لأن عقولهم ترفض الحجج والأدلة، مَثَلُهم في ذلك مثل من خاطب الله فيهم نبيه ورسوله محمدًا ﷺ بقوله -عز ذكره-: {وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين} [الأنعام: 52].

أما الجواب: فإن القوامة تعني المحافظة، ومنه قوله تعالى: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا} [أل عمران: 57]، أي راعيًا وحافظًا.

والفقهاء إنما تطرقوا -رحمهم الله- إلى القوامة من جوانبها القضائية التي مناطها حقوق الزوجة من نفقة وحضانة وخلافهما.

والأصل في القوامة قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقد نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار، وامرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فقد نشزت على زوجها فلطمها، فقال رسول الله ﷺ: (لتقتص من زوجها). فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال رسول الله ﷺ: (ارجعوا، هذا جبريل أتاني)، فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية، فقال رسول الله ﷺ: (أردنا أمرا، وأراد الله أمرًا، وما أراد الله هو خير)([1]).

وقد يسأل الذين يوردون الشبه القوامة، خاصة أن كثيرًا من النساء -كما يقولون- أكثر قدرة في التدبير والتصرف من بعض الرجال، وأن إعطاء الرجال هذه السلطة عليهن يعطل قدراتهن ومهاراتهن، ونحو ذلك من الشبه الكثيرة، التي ما زالت تصك أسماعنا، ناهيك أن أصحابها جعلوا من هذه القضية أهم القضايا، خاصة في الدول المستضعفة، فصاروا ينادون بإفساح المجال للمرأة فيها، لتعمل كل ما تريد دون أي حواجز، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم، كما يقول المثل.

والرد على هذه الشبه يتمثل قطعًا في حكم الله الوارد في الآية الكريمة، وقد بين الله فيها أن لهذا الحكم سببين، هما «التفضيل» و«الإنفاق».

أما التفضيل: فسببه الخصائص الطبيعية المتفاوتة بين الذكر والأنثى، التي لا خيار لأي منهما فيها، ولا إخال أحدًا له فكر وعقل ينفي هذه الخصائص، فالمرأة لا تستطيع العمل في الظروف والأوقات الصعبة، كما يعمل الرجل في أعماق البحار، وفي شواهق الجبال، وفي ظروف المناخ المختلفة، وفي قيادة الآلات الصعبة؛ لأن العمل على هذا النحو فوق طاقة المرأة بحكم خصائصها الجسمانية، حتى لو أرادت أو أريد لها ذلك، لقد حاولت قلة من النساء في بعض البلاد الغربية أن يسترجلن، فوضعن الوشم على أذرعتهن وأكفهن وأردن قيادة القطارات تحت الأنفاق، وقيادة السيارات الكبيرة، وقيادة الطائرات، ولكن هذه المحاولة لم تتعد عدة نساء، لا تعد محاولتهن شيئًا يذكر في مجال المقارنة مع قدرات الرجل وطاقته؛ ذلك أن الله لم يرد للمرأة أن تكون على هذه الصورة، بل أراد لها مجالًا آخر تختص به، وتقدر عليه، ولا يقدر عليه الرجل، فهي في هذا المجال مفضلة عليه، كما سنرى.

أما السبب الثاني: فهو الإنفاق: فإذا كان السبب الأول طبيعيًّا فهذا السبب سبب حكمي، واجب على الزوج، وحق للمرأة، فالزوج يترتب عليه مهر زوجته، وهذا تكريم لها، ويترتب عليه نفقتها فيما تحتاجه من أنواع النفقة، فلو تخلف عن هذا الواجب حق لها طلب الطلاق منه، وعلى القضاء تمكينها من ذلك.

وكون المرأة تحت قوامة الرجل، لا يعني أن ذلك حق يجعله يتسلط عليها، أو يكرهها، أو يهينها، أو يسلبها إرادتها، وإنما القوامة تمثل معنى الرعاية والإرشاد والتفاهم، لما فيه صلاح بيت الزوجية، الذي يشترك فيه الزوج وزوجته معًا، ويكونان أسرة هي نواة الأمة وجهازها، وقد بيَّن الله هذه القواسم بقوله -جل ثناؤه-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 822]، كما بيَّن الأحكام المصاحبة للقوامة في قوله -عز ذكره-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 91]،  وقوله -جل ثناؤه-: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 922].

والذين يطعنون في قوامة الرجل على المرأة لا يستطيعون القول: إن بيت الزوجية يسيّر نفسه دون قيّم قادر يقوم عليه، ولا يستطيعون أن يقولوا: إن المرأة تقدر على تسييرها وحدها؛ لأنهم يعرفون أن طبيعتها وخصائصها لا تمكنها من ذلك، فلن تقدر على رد الاعتداء إذا حدث، ولن تقدر على تحمل تكاليف البيت وأعبائه إلا في حدود قدراتها، وهذا يتمثل في عدد من الأعمال، منها قوامتها على تربية الولد في صغره، لتجعل منه أسرة صالحة ومستقيمة، ومنها تدبير شئون المنزل في داخله.

والزوج بحكم طبيعته وخصائصه لا يستطيع القيام بهذه الأعمال؛ لأنها بطبيعتها من خصائص المرأة، فهذه في حقيقتها قوامة للمرأة في بيتها، ناهيك أنها قد تكون هي القيّمة في أحوال معينة، كسفر الزوج أو مرضه أو وفاته، فتكون حينئذٍ هي المسئولة.

وكما أن للقوامة تبعات على الرجل، فإن لها حقوقًا تتمثل في حقه في صيانة محل قوامته ورعايته؛ فإذا خرجت امرأته عن طاعته فيما هو من غير حقها، كنشوزها أو إساءة معاملته، كان له حفظ حقه، مَثَلُه في ذلك مَثَل الحاكم الذي يرعى شئون أمته ويصونها، وهذا يقتضي منها طاعته، وإلا تحول محل الحكم إلى فوضى، فهل يقول هؤلاء المشبِّهون بترك الأمة دون حاكم يحكمها ويصون حقوقها؟ وهل يكون هناك حاكم دون أن يكون له نظام يحكم به؟ فإذا قالوا هذا لا يجوز، فالأمر كذلك للمرأة، إذ لا يجوز بأي حال أن تكون دون قيّم يقوم عليها، وإلا تحولت الأسرة إلى فوضى، وفي هذا قال عمرو بن كلثوم:

يَقُتْن جيادنا ويقلن لستم      بعولتنا إذا لم تمنعونا

من هنا تتهافت شبه المشبهين والمأزومين في هذه المسألة.

وخلاصة المسألة: أن الأصل في قوامة الرجل على المرأة التفضيل والإنفاق. أما التفضيل، فالسبب فيه تفاوت الخصائص الطبيعية بينهما، وهذه الخصائص فطرية لا يمكن تغييرها؛ لأن الخالق جل وعلا قدّرها وقضاها. وأما الإنفاق فالسبب فيه حكمي أو كسبي، وهو قدرة الرجل على الإنفاق على المرأة، فالزوج يترتب عليه مهر زوجته ويترتب عليه نفقتها، فلو تخلف عن هذا الواجب حق لها طلب الطلاق منه، وعلى القضاء تمكينها من ذلك. وقوامة الرجل على المرأة لا تعني تسلطه عليها أو سلبها إرادتها، وإنما تتمثل في رعايتها وإرشادها والتفاهم معها فيما يصلح بيتهما، وقد بيّن الله قواسم القوامة بينهما في قوله -عز وجل-: {إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}  [البقرة: 228]، وكما أن للقوامة تبعات على الرجل، فإن لها حقوقًا تتمثل في حقه في صيانة محل قوامته ورعايته، فإذا خرجت الزوجة عن طاعة زوجها فيما هو من غير حقها، كنشوزها أو إساءة معاملته كان له حفظ حقه، مثله في ذلك مثل الحاكم الذي يرعى شئون أمته ويحافظ عليها.

والمراد أن شبه المشبهين تتهافت في هذه المسألة؛ لأن غايتهم كره أحكام الله وما لهم في ذلك من ولي ولا نصير.

والله أعلم.

 

([1])  الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5 ص168، قال الزيلعي في تخريج الكشاف، (١/٣١٢): غريب بهذا اللفظ .