سؤال من الأخ” خادم التراث الإسلامي” من المغرب، يقول: شيخنا الدكتور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أرجو منكم أن تفيدوني في بيان حكم هذا الأمر الذي سئلت عنه: ذكرت لي امرأة أن أمها انتقلت إليها لتخدمها بعد أن مرضت وهجرها ابنها، فظلت تخدمها وتنفق عليها طيلة ست سنوات ثم ماتت، وفي أثناء ذلك كتبت لها جميع ما كانت تملكه، ومقداره ستة قراريط، وحرمت ابنها، فهل على هذه الأم وابنتها إثم في ذلك، علمًا بأن من أسباب وصية هذه الأم لابنتها بهذه الوصية أيضًا: أن ابنتها هذه التي كانت تخدمها ظلمها أخوها في بعض حقوقها وميراثها من أبيهما؟

لا وصية للوارث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

 فظاهر السؤال أن الأم أوصت بما تملك من مال لابنتها جزاء خدمتها لها. وأن من أسباب هذه الوصية أن أخا البنت يظلمها حقها من ميراث أبيها .

 والجواب أن الأصل في الميراث عدم الإيصاء للوارث؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو أمامة الباهلي (إنَّ اللهَ قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ؛ فلا وصيَّةَ لوارثٍ)([1]).

 والمعنى أنه لا يجوز للأب أو الأم أن يحرما أحدًا من أولادهما ولو كان هذا الولد عاقًّا لهما أو مقصرًا في حق أي منهما . فإن أوصى لأحد ورثته فوصيته باطلة . ولكن يجوز له أن يوصي من ثلث ماله لغير الورثة، كقريب له لا يرثه أو زوجته المطلقة أو صديقه. كما يجوز له أن يعطي ولده أو أبناءه أو بناته عطية يساوي بينهم. والشاهد فيه قصة النعمان بن بشير أن أباه جاء إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال له إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، فقال له أَكُلَّ ولدِكَ له نِحْلةٌ مثلُ هذا؟ قال: لا، قال: فاردُدْهُ [ وفي روايةٍ ] أَلِكُلِّ ولدِكَ نِحْلَةٌ مثلُ هذا؟ قال: لا، قال: أَتُحِبُّ أن يكونَ الكلُّ في البِرِّ سواءٌ؟ قال: نعم، قال: فَسَوِّ بينَهم في العَطِيَّةِ، وفي روايةٍ أَشهِدْ على هذا غيري، وفي روايةٍ إني لا أَشْهَدُ على جُورٍ ([2]).

 هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال، فإن كانت الأم أعطت ابنتها، وهي في حياتها وصحة عقلها شيئًا من المال لقاء خدمتها لها ست سنوات فهذه العطية بمثابة الأجر ، فلا بأس بها، أما الوصية لها بشيء من المال بعد وفاتها فلا يجوز لها ذلك. وأما كون أخي البنت قد ظلمها في حقها من ميراث أبيها فلا يبرر الوصية لها، ولها الحق في أن تقاضي أخاها عن ظلمها، وعدم إعطائه حقوقها.

                          والله -تعالى- أعلم.

[1] – أخرجه أبوداود برقم: (2870).

[2] – أخرجه النسائي برقم (3682).