الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالواضح من السؤال أن الأخ السائل يسأل عما إذا كان يجوز له صيام ستة أيام من شهر شوال عن والده وهو حي.
والجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن صيام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان سنة مؤكدة، وفي صيامها فضل عظيم فمن صومها بعد صيام شهر رمضان كأنه صام السنة كلها، والأصل في ذلك ما وراه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من صام رمضانَ وأتبعَهُ بستٍّ من شوالَ، فكأنما صام الدهرَ”([1]).
فإن صامها الحي فخير وإن لم يصمها فلا شيء عليه، بل هناك من يقول بكراهية صيامها كل عام([2]) وهذا مجرد قول ولا شك أن ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا هو الأصل.
الوجه الثاني: سؤال الأخ عن صيام هذه الأيام عن والده وهو حي، فجزاه الله خيرا على البر بوالده ولكن لا يجوز له هذا الصيام، فقد أجمع جمهور أهل العلم على أن هذا الصيام غير جائز([3]).
فلا يصام إلا عن الميت، كمن يموت وعليه أيام من رمضان، فيصوم عنه وليه.
فعلى هذا لا يجوز للأخ أن يصوم عن والده الحي، ولكن يجوز له بل يجب عليه البر به، فيدعو له حيا أو ميتا ويصدق عنه حيا أو ميتا هذا جائز ومن البر بوالده أو والديه، وفي هذا أجر كبير حين يرى الوالد الولد يدعو له، وهو حي ويتصدق عنه وهو حي فكل هذا من الإحسان الذي أمر الله به قوله جل في علاه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23].
فالحاصل جوابا على السؤال: أنه لا يجوز الصيام عن الحي، سواء فيما مناطه الستة الأيام من شوال أو أي صيام آخر، ما دام أنه حي.
والله تعالى أعلم
[1] أخرجه الطبراني (4/136) (3912) واللفظ له، وأخرجه مسلم (1164) باختلاف يسير.
[2] قال ابن رشد في بداية المجتهد ١/ ٣٠٨:”وأما الست من شوال فإنه ثبت أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر”، إلَّا أنَّ مالكًا كره ذلك: إما مخافة أن يُلحِق الناس برمضان ما ليس من رمضان، وإما؛ لأنه لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده وهو الأظهر”.
[3] قال ابنُ حزم: (وأجْمعوا أنَّه لا يصومُ أحدٌ عن إنسانٍ حيٍّ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 40). ولم يتعقبه شيخ الإسلام. وقال: (وأجمعوا على أنَّ الوكالةَ في الصَّلاة المفروضة والصِّيامِ، لا تجوزُ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 62)، قال ابنُ عبد البَرِّ: (أمَّا الصَّلاة، فإجماعٌ من العلماء أنَّه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحد فرضًا عليه من الصَّلاةِ، ولا سُنَّةً، ولا تطوُّعًا، لا عن حيٍّ ولا عن ميِّت، وكذلك الصيامُ عن الحيِّ لا يُجزِئُ صَومُ أحدٍ في حياتِه عن أحدٍ، وهذا كلُّه إجماعٌ لا خلاف فيه). ((الاستذكار)) (3/340) وينظر: (شرح النووي على مسلم)) (8/26) و((المجموع شرح المهذب)) (6/371).