الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فعبادة رسول الله ﷺ في رمضان كثيرة تختلف عن عبادة غيره، فكان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، حين يلقاه جبريل -عليه السلام- في كل ليلة من ليالي رمضان، يعرض عليه رسول الله ﷺ القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة([1]). وكان -عليه الصلاة والسلام- يواصل الصيام، ولما نهى أصحابه عن الوصال رحمة بهم وشفقة عليهم، قالوا: إنك تواصل يا رسول الله، قال: (لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى، أو إني أبيت أطعم وأسقى)([2]). وفي لفظ آخر: (إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني)([3]).
وكان رسول الله ﷺ فيما روته عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان»([4]). وقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله ﷺ يفطر من الشهر حتى نظن ألا يصوم منه، ويصوم حتى نظن ألا يفطر منه شيئا، وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته([5]).
وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر، وكان يجتهد في هذه العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، وإذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله([6]). وكان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل حتى تتفطر قدماه([7]). فعبادته عليه الصلاة والسلام لا تماثلها عبادة غيره، فقد غفر الله له([8])، وأعطي الشفاعة العظمى يوم القيامة([9])، وأعطي جوامع الكلم([10])، وأرسله الله إلى الناس رحمة لهم.
ونسأل الله عز وجل أن يصلي ويسلم عليه، وأن يرزقنا جميعا شفاعته وأن يرزق أمته اتباع سنته والسير على هديه. إنه سميع مجيب.
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب أجود ما كان النبي ﷺ يكون في رمضان، فتح الباري، ج4 ص139، برقم (1902).
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الوصال، فتح الباري، ج4 ص238، برقم (1961).
([3]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الوصال، فتح الباري، ج4 ص238، برقم (1963).
([4]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم شعبان، فتح الباري، ج4 ص251، برقم (1969).
([5]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب ما يذكر من صوم النبي ﷺ وإفطاره، فتح الباري، ج4 ص253، برقم (1972).
([6]) أخرجه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، فتح الباري، ج4 ص316، برقم (2024).
([7]) أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب قيام النبي ﷺ الليل، فتح الباري، ج3 ص18-19، برقم (1130)، وأخرجه في كتاب التفسير، باب {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ…..}، فتح الباري ج8 ص448، برقم (4837).
([8]) كما ورد في حديث المغيرة عند البخاري «قام النبي ﷺ حتى تورمت قدماه، فقيل له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: (أفلا أكون عبدا شكورا)» فتح الباري، ج8 ص448، برقم (4836، 4837).
([9]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص411-412، برقم (521).
([10]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج4 ص413، برقم (523).