سؤال من الأخ حسين من الجزائر، يقول: أريد أن أعرف حكم إعطاء مال مقابل الحصول على حقوقي دون الإضرار بحقوق الغير، حيث تم عرقلة أخذ حقي من طرف أشخاص؛ وذلك بهدف الحصول على المال. فهل يجوز إعطاؤهم؟

بذل المال مقابل الحصول على الحقوق

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد، وآله وصحابته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر المسألة أن الأخ السائل يسأل عن جواز إعطاء الرشوة مقابل الحصول على حقوقه لدى شخص لا يعطيها إلا مقابل رشاء.

والأصل أن الرشوة محرمة في كل أسمائها وصفاتها وأنواعها، والاستدلال على حرمتها واضح في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

أما الكتاب: فقول الله -عز وجل-: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].

 وأما السنة: فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الراشي والمرتشي في الحكم )([1])، وفي حديث آخر: (لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الراشي والمرتشي والرائش)([2]). وقوله: -عليه الصلاة والسلام-: (ما من قوم يظهر فيهم الربا، إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا، إلا أخذوا بالرعب)([3]).

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على أن الرشوة حرام، على المعطي وعلى الآخذ وعلى الوسيط بينهما، وأن من أخذ الرشوة وهو يتولى أمرًا من أمور الناس يعد فاسقًا، ويجب عزله، ويبطل كل حكم أو تصرف ترتب على فعله.

وقد مر على أمة المسلمين أزمنة فسدت فيها الأحوال، وساء فيها سلوك بعض من يتولون حاجات الناس وأمورهم، ففشا الرشاء وأصبحت الحقوق مرهونة به، وفي تلك الأزمنة صعب على الناس الحصول على حقوقهم، فاجتهد جماعة من التابعين، فرأوا جواز دفع الرشوة لدفع الظلم عن النفس والمال أو العرض، حسب الضرورة. ولاشك في أن هذه الرؤى نتيجة واقع كانت له ظروفه، ولكنها لا تبرر بأي حال أن تكون قاعدة متبعة في كل زمان ومكان، فمن يقوم على حوائج الناس ويتقاضى أجرًا عن ذلك يحرم عليه الحصول على أي منفعة أخرى مقابل ذلك؛ لأن هذا يعد رشوة.

والحاصل: أن الرشوة محرمة بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وأن من يتعامل بها يعد آثمًا إثمًا كبيرًا؛ لما فيها من الطرد والبعد عن رحمة الله، والمفترض أن في كل بلد نظامًا وقواعد تحكم كيفية حصول الناس على حقوقهم وحاجاتهم، وأن من يعمل على تعطيل هذه الحقوق يعد مذنبًا يجب معاقبته، فيحرم إذا دفع أي منفعة للأشخاص المشار إليهم في المسألة.

والله -تعالى- أعلم.

[1] – أخرجه الترمذي برقم (1336)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٥١١٤).

[2] – أخرجه الإمام في المسند برقم (22399)، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند لشعيب، (٢٢٣٩٩): صحيح لغيره.

[3] – أخرجه الإمام في المسند برقم (17822)، قال المنذري في الترغيب والترهيب، (٣/٦٩): إسناده فيه نظر.