سؤال من الأخ ج. ل. من الجزائر، يقول: يقال إنه ينبغي على المسلم أن يكثر من الصدقات المستحبة؛ وذلك؛ لأن فيها تكميلًا لما ينقص من القيام بالزكاة المفروضة. . هل هذا صحيح؟

بذل الصدقة يسد ما ينقص من عبادة العبد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

ففي بذل الصدقة أجر عظيم؛ لما فيه من توكيد الأخوة والمحبة بين عبادة الله، والاهتمام بهم واستشعار حوائجهم ومساعدتهم. والأصل في ذلك كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فمنه قول الله -عز وجل- : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، [البقرة: 274]، وقوله -تعالى-: {وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ}، [البقرة: 280]، وفي هذا وصف للصدقة بأنها خير، ووصف للمتصدق بأن الصدقة خير له، ومن الكتاب قول الله -عز ذكره-: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ}، [البقرة:245]، وفي هذا دليل على مضاعفة الأجر في الصدقة، وقد سماه الله أضعافًا كثيرة، ومن الكتاب أيضًا قول الله -جل في علاه-: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، [الحديد:11]، فدل هذا على عظيم أجر الصدقة، وما يدخره الله لصاحبها من الأجر المضاعف.

أما فضل الصدقة في السنة، ففيه أحاديث كثيرة منها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب)([1]) وقوله -عليه الصلاة والسلام- (الصدقة تسد سبعين بابًا من السوء)([2]). وقد ذم -عليه الصلاة والسلام- أهل الأموال الذين لا يتصدقون، وذلك فيما رواه أبو ذر -رضي الله عنه-، قال: انتهيت إلى النبي – -صلى الله عليه وسلم- – وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: «هم الأخسرون ورب الكعبة»، قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقار أن قمت، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي، من هم؟ قال: «هم الأكثرون أموالًا، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا – من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله – وقليل ما هم، ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها، عادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس([3]). وكان -عليه الصلاة والسلام- يتهلل وجهه بشرًا إذا أتاه آت بصدقة ([4]). وكان يدعو النساء الى الصدقة ويقول: (تصدقن ولو من حليكن )([5])، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتسابقون في بذل الصدقات للفقراء والمساكين وفي الجهاد وفي سداد ديون المدينين، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- أنّه قال: كان له دين على رجل وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبيّ فسأله عنه؛ فقال: نعم، هو في البيت يأكل خريزة فناداه. فقال: يا فلان، اخرج فقد أخبرت أنّك ههنا، فخرج إليه، فقال:ما يغيّبك عنّي؟ فقال: إنّي معسر وليس عندي شيء، قال: آلله إنّك معسر؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة ثمّ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظلّ العّرش يوم القيامة». و في لفظ مسلم: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه»([6]).

هذا في العموم عن فضل الصدقة، أما سؤال الأخت، فلا شك في أن بذل الصدقة للفقراء والمساكين وذوي الحاجات والمعسرين فضل عظيم، وأن هذا الفضل يسد ما ينقص من عبادة العبد، ويرقع ما يتعرض له من خلل في هذه العبادة، فكلما كثرت حسنات العبد نقصت سيئاته، فالصدقة من أعظم ما يزيد من الحسنات وينقص من السيئات.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه الترمذي برقم (664)، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٢٠٤١).

[2] – أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (4402)، ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، (٣٧٩٧).

[3] – أخرجه مسلم برقم (990).

[4] – أخرجه مسلم برقم (1017).

[5] – أخرجه البخاري برقم (1466).

[6] – أخرجه مسلم برقم (1563) .